في حب رسول الإنسانية(3)
يقول المستشرق هيل في كتابه (حضارة العرب): "لقد أخرج محمد للوجود أمة، ومكن لعبادة الله في الأرض، ووضع أسس العدالة والمساواة الاجتماعية، وأحل النظام والتناسق والطاعة والعزة في أقوام لا تعرف غير الفوضى".
ويقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتابه (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله:( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، كان محمد رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
ويقول المؤرخ كريستوفر دارسون في كتابه(قواعد الحركة في تاريخ العالم):"إن الأوضاع العالمية تغيرت تغيرًا مفاجئـًا بفعل فرد واحد ظهر في التاريخ هو محمد". ويقول العلامة شيريل، عميد كلية الحقوق بفيينا:"إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها".
ويقول الباحث الفرنسي كليمان هوارت: "لم يكن محمدًا نبيـًا عاديـًا، بل استحق بجدارة أن يكون خاتم الأنبياء، لأنه قابل كل الصعاب التي قابلت كل الأنبياء الذين سبقوه مضاعفة من بني قومه، نبي ليس عاديـًا من يقسم أنه "لو سرقت فاطمة ابنته لقطع يدها"! ولو أن المسلمين اتخذوا رسولهم قدوة في نشر الدعوة لأصبح العالم مسلمًا".
وأشاد المؤرخ "آدم متز" بتسامح الرسول الكريم مع غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، مما لم يكن معروفا في أوروبا، مما أدى إلى رقي الحضارة والعلم، فقال: "كان وجود النصارى بين المسلمين سببا لظهور مبادئ التسامح التي ينادي بها المصلحون المحدثون، وكانت هناك الحاجة إلى المعيشة المشتركة، وما ينبغي أن يكون فيها من وفاق، مما أوجد من أول الأمر نوعا من التسامح الذي لم يكن معروفا في أوروبا في العصور الوسطى، ومظهر هذا التسامح نشوء علم مقارنة الأديان".
وأكد البروفيسور كي. إس راماكريشنا رئيس قسم الفلسفة بالكلية الحكومية بالهند، الذي ألف كتابه الشهير "الإسلام والعصر الحديث" أن الكتابة عن محمد صلي الله عليه وسلم ستغنيه عن الكتابة عن ديانة بأكملها، وقال: "شخصية الرسول محمد كانت شخصية مؤهلة لتلقي رسالة سماوية، لأنه ترك مُتع الحياة، في وقت كانت فيه البيئة المحيطة به تنعم بكل ذلك، لابد أنه بشر ليس كسائر البشر فقد استطاع السيطرة على غرائزه وكبحها، ليكون مؤهلا لقدوم الوحي".
هذا بعض من شهادات المنصفين من الفلاسفة والأدباء والعلماء الغربيين بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين فهموا مقاصد الإسلام وغاياته حق الفهم، وأنه دين إنسانية وإحياء للنفس واحترام للعقل والإنسان، واحترام للاختلاف بين الناس في أديانهم وشرائعهم وألوانهم ولسانهم إلخ، وليس دين قتل وإرهاب وترويع للآمنين، ورغم أني -كمسلم- لست في حاجة لهذه الشهادات لإثبات عظمة الإسلام، وسمو مقاصده، ولا تزيدني شيئا في حبي العميق لرسول الله أكثر من نفسي وأبي وأمي وأهلي أجمعين، لكني أوردها لأدلل على أن الفهم الصحيح، وحسن النوايا يصل بصاحبه للفهم العميق للرسالة الإسلامية ومقاصدها السامية، تلك المقاصد التي تخاطب الإنسانية جميعا وتريد لها الخير على اختلاف مذاهبها وأديانها..
وهو ما وضح جليا في أعظم خطبة في التاريخ، وهي خطبة حجة الوداع، فقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع خطبة جامعة مانعة، تضمنت مبادئ إنسانية سيقت في كلمات سهلة سائغة، فلقد استوعبت هذه الخطبة جملة من الحقائق التي يحتاجها العالم الشارد المعذب ليرشد ويسعد، فالله جل وعلا ربَّى محمدًا صلى الله عليه وسلم ليُربِّيَ به العرب، وربّى العرب بمحمد صلى الله عليه وسلم ليُربِّيَ بهم الناس أجمعين، فمن المبادئ التي انطوت عليها خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع إن الإنسانية متساوية القيمة في كل شيء وفي كل حالة، ولا فضل لأحد على أحد إلا بعمله فَقَال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى، أَبَلَّغْتُ ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟ قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟ قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ: قَالَ: ثُمَّ قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟ قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ بَيْنَكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ، هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَبَلَّغْتُ ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ).
كما أن النفس الإنسانية عليها أن تراعي النفوس الإنسانية الأخرى ولو على غير دينها فلا تظلمها أو تقتلها أو ترهبها أو تغتالها بحجة عدم الإيمان، فقال صلى الله عليه وسلم (…يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَتَدْرُونَ فِي أَيِّ شَهْرٍ أَنْتُمْ ؟ وَفِي أَيِّ يَوْمٍ أَنْتُمْ ؟ وَفِي أَيِّ بَلَدٍ أَنْتُمْ ؟ قَالُوا: فِي يَوْمٍ حَرَامٍ، وَشَهْرٍ حَرَامٍ، وَبَلَدٍ حَرَامٍ، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَهُ، ثُمَّ قَالَ: اسْمَعُوا مِنِّي تَعِيشُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا، إِنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، أَلَا وَإِنَّ كُلَّ دَمٍ وَمَالٍ وَمَأْثَرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمِي هَذِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)
كذلك احتوت الخطبة العظيمة على مبدأ أن المال قوام الحياة، وينبغي أن يكون مُتداولًا بين كل الناس، وأنه إذا ولد المالُ من دون جهد حقيقي يسهم في إعمار الأرض، وإغناء الحياة، تجمَّع في أيدٍ قليلة وحُرمت منه الكثرة الكثيرة، عندها تضطرب الحياة، ويظهر الحقد، ويُلجأ إلى العنف، ولا يلد العنفُ إلا العنفَ، والربا يُسْهِم بشكل أو بآخر في هذه النتائج المأساوية التي تعود على المجتمع البشري بالويلات، لهذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: (أَلَا وَإِنَّ كُلَّ رِبًا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَضَى أَنَّ أَوَّلَ رِبًا يُوضَعُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ).
كذلك احتوت الخطبة على مبدأ هام يغفل عنه الكثيرون وهو أن النساء شقائق الرجال، ولأن المرأة مساوية للرجل تمامًا من حيث إنها مكلفة كالرجل بالعقائد والعبادات والمعاملات، والأخلاق ومساوية له من حيث استحقاقُها الثواب والعقاب، ومساوية له تمامًا في التشريف والتكريم، لهذا قال صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع:(أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ)