رئيس التحرير
عصام كامل

سقوط خيال المآتة


ترسخ وجودهم في الأذهان وكأنهم من أفراد العائلة فلا نحتفل بالعيد قبل انتظار قدوم بهجت الأباصيري، ومرسي الزناتي، وسرحان عبد البصير، ورمضان السكري وعائلته وغيرهم من الشخصيات المسرحية التي أصبحت أكثر قوة وتأثيرًا من شخصيات حقيقية نعايشها.


هذه الحالة من الإبداع أصابت البعض حتى تمكنوا من إنتاج ما لا يمكن نسيانه فقد عايشنا تفاصيل حياة "السيد أحمد عبد الجواد" وعائلته في الثلاثية، مثلما مس الحزن قلوبنا على مأساة "سعيد مهران" في اللص والكلاب، وتفاعلنا مع غيرهم من أبطال روايات "نجيب محفوظ" الذي يعد مثالًا صارخًا في الإبداع وغيره آخرين أبدعوا لدرجة أجبرت الزمن على الوقوف احترامًا لشخصيات صاغتها أقلامهم فظلت دائمًا على حالتها ثابتة وقادرة على العطاء فيما يمر الزمن علينا كمشاهدين وقراء ليبدل في أحوالنا ويشكلنا كيفما يشاء.

البطل الدرامي يستحق التقدير كونه صادقًا في تكرار نفس ردود الفعل في كل مرة نُعيد قراءة الرواية أو نشاهد العمل الفني أما في الحياة فهناك قلة من الصادقين نجدهم تائهين وسط أبطال من ورق صنعتهم الظروف والأحداث كخيال مآتة يسد الفراغ ولكن عند أول هبوب لرياح الأزمات يتطايرون من حولنا كأوراق الخريف، وعندها يسقط خيال المآتة تقف الطيور فوق رأسه غير عابئة بما كان يمثله بعد انخفاض قيمته كأسهم البورصة.

لذا أنوى الوقوف ممسكًا بالجمرات عازمًا على إعطاء نصيب الشيطان منها بعد أن أحتفظ بالنصيب الأكبر لكل صديق لم يتسم بالصدق الكافي مع إعطاء حصة لجميع الزائفين الذين ملأوا حياتنا وعودًا وضجيجًا وادعاءات صانعين من "علم" مصر لافتة إعلانات لبضائعهم، ومن "السّبحة" وسيلة لعد الثروات الحرام مرددين كلمات "الوطنية" وعبارات "الدين" كشعارات ضرورية للربح والصعود.

لكن الوسيلة التي تكشفهم دائمًا هي انصراف الصدق عن أحاديثهم وانهزام أفعالهم أمام مصالحهم الخاصة، وهو نفس ما جعل وجود الصديق الحقيقي حلم يشبه العنقاء الخيالية التي قيل إنها تحترق إلى رماد قبل أن تنهض مجددًا أما رياح الأزمات التي تذر الرماد في العيون فهي لا تعمينا بقدر ما تجعلنا قادرين على تمييز مقدار الثقة المستحق إعطائه للجميع فلا أحد يستحق الثقة المطلقة إلا أبطال الدراما الذين لا يتغيرون أما من يعطون ثقتهم المطلقة للآخرين فعليهم البدء بالبكاء كأبطال التراجيديا.
الجريدة الرسمية