قلادة النيل العظمى في الجهل!
كأنها قلادة ذريَّة وانفجرت فينا، أو قلادة واتقسمت نُصين، كُل نصف منهما كان مُلغمًا بألغام متعرفش ربنا ولا تسمع عن الرحمة، دُفنت في الصحراء لحد ما عتَّقت وصدّت وقالت يا بَس، الجدع يقرَّب من هنا وأنا أفرتكه، فجأة انفجرت في وجوهنا ما سُميت بفضيحة قلادة النيل المُزيَّفة التي حصل عليها عمنا وتاج راسنا المرحوم (نجيب محفوظ) من ييجي تلاتين سنة، وكان الأمر على الطبطاب للجهَّال من المثقفين بالاسم، وللمُغرضين من الإعلاميين باللقب المظلوم، وللسياسيين من اللي ابتلانا بيهم الزمن والثورات النيئة (النيَّة يعني التي لم تنضج بالبلدي لم تستوي)!
وبإجماع الآراء صحينا على تهليل المواقع والصحف والصحفيين والمراسلين أن قلادة النيل التي حصل عليها الأديب العظيم من بلاده بعد حصوله على جائزة نوبل، ليست ذهبية، وإنما هي مُقلَّدة، مضروبة، سَكَّة، وهات يا رغي وحَك في الفساد، والحقبة الزمنية المشعارف إيه، كأن يعني الفساد في بلدنا ناقصله شهادة القلادة علشان نعرف إنه وصل للذقون ـ ذقون الشعب كُله مش ذقون الجماعات إياها لأنهم تخطوا الفساد المادي والأخلاقي من زمان للفساد الدموي لكن هذا ليس موضوعنا ـ أو كأن الحقبة المُشار إليها، حقبة ما قبل ثورة يناير ناقصة ـ هذه الحقبة ـ موبقات وبلاوي علشان نخترع لها قنبلة القلادة دي كمان!
وطبعًا كام واحد من بتوع البرلمان جريوا يقدموا استجوابات، صحيوا إمتى متفهمش، وعرفوا (نجيب محفوظ) كان بيشتغل إيه؟ والله كتَّر خيرهم دي معجزة، أعرف ناس منهم كانوا عاوزين يحاكموه، المُهم إنهم قرروا يكسَّروا الدُنيا ويقوموها ميقعدوهاش من أجل التوضيح والتبرير والبرهان، ولو فكَّرت تقعد هيشدوا الكُرسي قبل ما تقعد، ويخلوها تنزل تتبَط على لا مؤاخذة، هي صحيح إزاي الدُنيا تفكر تقعد بعد ما قوموها تحت القبة، أو أمام الميكروفونات والكاميرات اللاهثة للحصول على أي تصريح يشعللها يشعللها يولَّعها يولَّعها، يا ستار يا رب، ضحكوا على الراجل المُحترم الكُبَّارة صاحب جائزة نوبل بقلادة نيل مُزيَّفة، أتاريها طلعت مش دهب، طلعت مش دهب، مش دهب دهب دهب، وكان الكلام من فضة دلوقتي أصبح دهب، ودخلنا في سكة "إيريال إيريال أو أو" كمان!
المُهم أن الأمر كان بالغ البساطة، وبغض النظر عن الجدوى المعنوية الهائلة والتقديرية للقلادة، لا بسبب كونها ذهبية، لكن لأنها بمثابة نيشان وشهادة تُميِّز أعمال قامة عظيمة مثل (نجيب محفوظ)، ومستحيل ييجي اليوم اللي يفكَّر هو أو أحد ورثته في فَك زنقة عن طريق التوجُّه لأقرب جواهرجي، ومن ثم تبرز العبارة الخالدة "شوف لنا دي تسوى كام وحياة أبوك"، فالحمد لله إيرادات أعمال الأديب العظيم تكفي وتفيض، وإيرادات القلادة كذلك، وربنا يجعلنا من بركات سيدنا وتاج راسنا معنويًا وياريت ماديًا، المُهم أن كون القلادة ذهب أو صفيح مش هيفرق كتير في أهميتها وما يترتب عليها من قواعد بروتوكولية وتقدير غير مسبوق للقامة الأدبية العظيمة، إذن لزومه إيه النبش في هذا الموضوع، وتلغيم الدُنيا أكتر ما هي بكلام فاضي، وقضايا مسمومة، وهات يا لَت وعَجن من الإعلام والنخبة والنشطاء وبتوع حقوق الإنسان وكمان الإخوة بتوع مجلس الشعب؟!
المُصيبة السوداء والتي تكحلت بكُحل شديد الزراق لا يُنافس زراقه الشديد إلا سواد إضافي متعاص بالأسمر المهبب من قعر حلَّة اتحرقت بجاز بقالها أسبوع على النار، المُصيبة أن قلادة النيل لم تكُن أبدًا مصنوعة من الذهب قبل ذلك الحين، فالمعروف أن القلادة تُصنع من الذهب عندما يتم منحها لأي ملك أو رئيس أجنبي ـ مش مصري ـ للتوضيح يعني أهو يمكن إخواننا المُشار إليهم بعاليه يفهموا، الأجنبي مبيبقاش مصري آه، نقولها تاني؟ المُهم يعني أن القلادة يتم منحها للمصريين ـ حتى الرؤساء منهم زي الرئيس السابق (عدلي منصور) ـ وتكون مصنوعة من الفضة، بينما الممنوحة للأجانب تكون مصنوعة فعلًا من الذهب، يعني باختصار لم يتم النصب على الراحل (نجيب محفوظ)، ولم يستحق الأمر كُل هذه الدوشة التي رغم أنها صدَّعتنا ودوشتنا أكتر ما إحنا مدووشين، على طريقة إنهم بيدوشوا الدوشة بدوشة أكتر من دوشتها علشان متدوشناش، لكنها بيَّنت لنا للمرَّة المليون طبيعة الشخصيات الطافية على سطح المُجتمع المصري، والتي تستحق قلادة النيل العظمى في الجهل، فهي شخصيات لا فهم، ولا ثقافة، ولا معرفة، ولا تجارب، ولا أي بتنجان، اللهم إلا ألسنة طويلة عاملة زي ألسنة اللهب، وياريت على فايدة، دي بتحرقهم هُما مش بتحرق حَد تاني، وكُل ما تحرقهم، كُل ما يتنططوا أكتر، معذورين بيني وبينَك!