طرق بديلة لمكافحة الفساد
خبر القبض على الدكتورة سعاد الخولي، نائب محافظ الإسكندرية بتهمة الفساد يعيد إلى الأذهان الخطر الذي يهدد المصريين.. فالفساد لا يؤثر فى عملية التنمية فحسب ولكنه يضعف من ثقة الناس في عدالة المجتمع.. ورغم المناقشة المستفيضة لقضية الفساد في الإعلام فإن النقاش المجتمعي لم يسهم في خفض معدلات الفساد، فمصر- حتى العام الماضي– كانت في الـمرتبة الـ 88 من حيث الشفافية، وفقًا لتقرير منظمة الشفافية العالمية لعام 2016.
واحتلت مصر المرتبة 110 من بين 113 دولة في "مؤشر سيادة القانون" العام الماضي.. موقع مؤشر سيادة القانون يقدم لنا مؤشرات مهمة ذات دلالة فيما يتعلق بالفساد.. فمصر تحتل المرتبة 63 من بين 113 دولة فيما يتعلق "بغياب الفساد" Absence of Corruption.. الإحصائيات عن الشفافية والفساد مثيرة للاهتمام، فهي تحارب الفساد غير أن معدل الشفافية والذي يرتبط بالكشف عن الفساد متدنٍ.
ولعل الناس أصبحوا يعرفون أن الرشوة ليست هي الشكل الوحيد للفساد، ولكن الفساد يتخذ أشكالا متعددة، فهناك الكثير من أشكال الفساد المقنعة، والتي يحصل بعض الناس عن طريقها على مكاسب شخصية من بينها التغاضي عن الفساد بغية الحصول على وضع مهني أفضل، ومن بين أشكال الفساد ممارسة أشكال من الضغوط لمصلحة آخرين وهو ما يطلق عليه Trading Influence.
أعرف أن الدولة تمتلك أجهزة رقابية تعمل على كشف الفساد ولكنها غير كافية.. زيادة الرواتب من شأنها تحقيق وضع أفضل للموظفين ولكنها لا تقضي بالضرورة على الرشاوى والمحسوبية، فلا أحد يمكن أن يزعم أن راتب الدكتورة سعاد الخولي والتي مازالت متهمة، أو غيرها من الوزراء الذين تمت إدانتهم بتهم فساد يتقاضون رواتب ضعيفة.. من بين المعضلات التي تبدو كأنها مستعصية على الحل هو منح الموظفين سلطات واسعة تتعلق بإصدار قرارات لمصلحة الغير.. يتعلل البعض أن منح صلاحيات واسعة لبعض الموظفين يسهل من انتشار الفساد، في حين يرى البعض الآخر أن الخوف من المحاسبة يدفع الموظف إلى البيروقراطية التي قد يراها الدرع التي تحميه من شبهة الاتهام بالفساد.
ويبدو السؤال المطروح: هل هناك من طرق بديلة لمكافحة الفساد؟ في البداية، يجب أن يقتنع الناس أن الفساد مرتبط بالنفس البشرية، فالخير والشر موجودان طالما أن الحياة قائمة، ولكن الهدف هو التقليل من الفساد والوصول به إلى أدنى النسب الممكنة.. تحقيق العدالة الاجتماعية بين الناس من بين الحلول الفعالة للقضاء على الفساد.. استخدام التكنولوجيا وكاميرات المراقبة في الأجهزة الحكومية تقلل من أشكال الفساد في خلال ساعات العمل ولكنها لن تفعل شيئا لمواجهة الرشاوى.. أحد الحلول التي تم تقديمها من خلال البرلمان لمحاربة فساد المحليات ومنح تراخيص البناء هي نقل مسئولية منح تراخيص البناء من المحليات إلى مكاتب استشارية معتمدة.. ولا أرى في ذلك شيئا يحارب الفساد، فبعض المكاتب الاستشارية قد تمنح تراخيص دون وجه حق إذا كان بها فاسدون.
هناك طرق بديلة لا تسعى الدولة للاستفادة منها للقضاء على الفساد، ومن بين هذه الوسائل ما يسمى "تقوية المواطن".. "تقوية المواطن" أو Empowering Citizens يجعل من المواطنين رقباء وشركاء في حماية المجتمع.. المواطنون في مصر يحاربون الفساد بطريقتهم، باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي، فهذا يصور فيديو لمخالفة ما، وهذه تصور مقطع فيديو يوضح استغلال شخص ما لنفوذه.. لو منحت الدولة فرصة للمواطنين لتكوين روابط لمحاربة الفساد، لركزت عيون الناس على رصد محاولات الفساد والإبلاغ عنها.. على الدولة أن تحفز المواطنين للإبلاغ عن الفساد دون ضرورة الكشف عن هويتهم، وهو إجراء متبع في كثير من دول العالم، فهناك الكثير من الناس ممن يخافون من أن يتم اتهامهم بالبلاغ الكاذب وينأى عن كشف الفساد بسلامته، ومن الذي يحمي المواطن من الرعب الذي يتعرض له من المفسدين إذا كان يعملون معه.
من بين الطرق البديلة لمكافحة الفساد التي لا توجد جهة حكومية تطبقها هو تفعيل "شكاوى المواطنين" أو ما نطلق عليه في دراسات الاتصال عملية "رجع الصدى".. فبعض الجهات الحكومية قد تخصص صندوقًا لشكاوى المواطنين، ولكن كم جهة حكومية تخصص هذا الصندوق؟ وحتى فيما يتعلق بالجهات التي تخصص صندوقًا لشكاوى المواطنين، هل توجد دراسة واحدة أو تقرير عن هذه الشكاوى وطبيعتها، وهل يتم تشجيع المواطنين على إبداء آرائهم في الخدمات المقدمة لهم، وما مدى جدية الجهات الحكومية في التعامل مع هذه الشكاوى أو الآراء إن وجد هذا الصندوق من الأساس، أم أن هذا الصندوق يوجد دون فائدة ترجى منه.. لو عرف المواطنون والموظفون أن تقارير إبداء الرأي يتم أخذها بجدية لكان ذلك عاملًا مهمًا في ضبط أداء الموظفين.