رئيس التحرير
عصام كامل

عجائب الكهرباء!


استشرت آفة المبالغة في المجتمع المصري ولم تسلم منها فئة، سواء القيادات أو حتى العامة حتى أصبحت سمة، ما أدخل الجميع في دائرة "الكذب" دون قصد وأضحك العالم علينا وجعلنا مادة للتندر والسخرية دون داع!!


آخر حالات المبالغة بطلها متحدث وزارة الكهرباء د.أيمن حمزة، الذي أراد "تبييض وجه" وزارته والدفاع عن سياستها وهذا حقه، لكنه بالغ بشكل غير مقبول جعله عرضة للتهكم.. قال حمزة في برنامج "حضرة المواطن" إن "وزير الكهرباء د.محمد شاكر، يصور عداد منزله أثناء نزوله وعند عودته حتى يتعرف على حجم استهلاكه من التيار على مدى الأسبوع".. فرد عليه مقدم البرنامج الإعلامي سيد على بسخرية "هو الوزير بيدفع فاتورة أصلا زينا؟". فيجيب حمزة: "أيوة طبعًا"!

لم يقل حمزة هل يدفع وزير الكهرباء فاتورة بيته الحقيقية المسربة عبر "السوشيال ميديا" عن شهر أغسطس الجاري بقيمة استهلاك 3163 جنيها، أم يدفع ما أعلنه الوزير شخصيا في لقاء متلفز أن فاتورة منزله 350 جنيها شهريا؟!

إن كان الوزير يدفع 350 جنيها شهريا فقط أي نحو 10% من استهلاك أسرته للكهرباء، فلماذا تمنع الحكومة الدعم عن الشعب وتمنحه للمسئولين، ألا يكفيهم الامتيازات غير المحدودة التي يتمتعون بها وذووهم؟! وإذا كانت فاتورة منزل وزير الكهرباء تزيد على ثلاثة آلاف جنيه شهريا، فلماذا يطالب الشعب بالترشيد والحد من الاستهلاك، لأن تكلفة إنتاج الكهرباء عالية، ولماذا لا يدعو أهل بيته للحد من الإسراف، حتى تنجح حملة ترشيد الكهرباء، التي ادعى أنها حققت نتائج طيبة جدًا.

تسريب فاتورة استهلاك منزل وزير الكهرباء الحقيقية أثبتت انعدام الشفافية في حديثه، وعليه جاء المتحدث باسم الوزارة لتحسين الصورة، لكنه بالغ بحديثه عن مراقبة الوزير لاستهلاكه يوميا، ثم دعوته الشعب لوضع التكييف على درجة حرارة 27 لتقليل الاستهلاك، مؤكدا أن "ثقافة الترشيد هي السبب في تقليل أسعار فواتير الكهرباء"! 

انعدام شفافية ومبالغة مسئولي الكهرباء أدت إلى "الكذب"، أما حملة الترشيد التي يدعون أن نتائجها طيبة، فلم أشاهدها على أرض الواقع في أحد مواقعهم الكبيرة، إلا في "مكتب واحد" خلال البحث عن تفسير لـ "عشر فواتير" غير منطقية يمكن اعتبارها نوعا من "النصب" ورغم ذلك "دفعناها"، وأردنا فقط معرفة من أين جاءت وهنا كانت المشكلة؟!

لدينا شقة لا نقيم فيها إلا أيام معدودة كل عام، وعندما قررنا الانتقال إليها أردنا تقوية عداد الكهرباء حتى يتحمل المكيفات، ما استدعى استبداله بآخر مسبق الشحن، ورغم عدم وجود أحد بالشقة والتزامنا بدفع ما يأتينا من فواتير، وجدنا بانتظارنا "10 فواتير" بمبالغ "غير منطقية" يجب دفعها قبل تغيير العداد، فدفعناها حتى ننهي أمورنا، ثم هاتفت "خدمة العملاء" فلم أجد لديهم إجابة، سجلت شكوى وطلبت عنوان الإدارة التي نتبعها للمراجعة الشخصية، فإذا بالعنوان غير مكتمل، وفي كل مرة يقال هذا العنوان المسجل لدينا.

عندما وصلت إلى مقر الإدارة، وجدت المكيفات تعمل والأضواء ساطعة في كل مكان بشكل يثير الاستغراب، والإدارة تخدم ثلاث مناطق سكنية، وكل موظف يحيلني إلى آخر لأنني لا أتبعه، يمين، يسار، آخر الممر، الدور الأول، ثم الدور الثاني، وبعدها الدور الأرضي دون فائدة، وعندما وصلت إلى المسئول عن العدادات مسبقة الشحن، سألته عن كيفية تسديد سعر العداد، قال: هل خصموا منكم عند الشحن، قلت: لا.. فرد: "خلاص بتسألي ليه اللي يخاف من عفريت يطلع له"!

بعد عناء وصلت إلى المدير العام وجدت إنسانا في غاية الاحترام، وهو الوحيد الذي يطبق حملة الترشيد قولا وفعلا، يعمل في مكتبه على ضوء شاشة الكمبيوتر فقط، استمع إلى الشكوى من البداية، وأوضح كل ما تهرب منه الموظفين، وأن ثمن العداد يخصم عند الشحن شهريا لمدة سنة، أما عن الفواتير العشر التي اضطررنا لدفعها رغم عدم وجودنا في البيت، وبالتالي عدم وجود استهلاك، فقال إن علينا إحضار فواتير العام الماضي كلها وإثبات السداد الدوري لها، حينها ستقوم شركة الكهرباء برد المبالغ التي دفعناها..

والسؤال الذي يفرض نفسه: هل يحتفظ أحد بفواتير عام مضى، خصوصًا إذا لم يكن مقيمًا في المنزل وليس لديه استهلاك من أي نوع؟!

الجريدة الرسمية