نجيب محفوظ: «القاهرة الجديدة» محاولة لتعرية المجتمع
تحت عنوان (ذهبت إلى أصدق الناس) أجرت نجاح عمر لقاء في مجلة صباح الخير عام 1968 مع الأديب نجيب محفوظ حول الكذب وسألته لماذا يكذب الناس؟ ولماذا هي كاذبة فرد عليها قائلا :
إن عجلة المجتمع لابد أن تزينها الكذب، والصدق المطلق مستحيل، فهو في حاجة إلى دون كيشوت جديد يستعمل عصاه كل ثلاثة أمتار من أجل كلمة صدق يستعملها في البيت كما في الشارع أو الأتوبيس أو المكتب.
ولك أن تتصورى واحد بيستلطف واحدة.. فهل يستطيع أن يقول ذلك لزوجته؟
قالت نجاح عمر "وليه لأ ؟
قال لأن ده يقلب حياتها كلها، مجرد الاستلطاف قد يخرب بيته، وكونه يخبى عن مراته يبقى نوع من الكذب الخفيف.. كذب أبيض ولابد منه.
وأنت تبحثين عن الصدق أين؟ في الفنان أم في الإنسان؟ وأقول هنا إن الفنان لا يكون إلا صادقا، أما الإنسان فشيء آخر، فالفن هو صوت الصدق في هذا المجتمع الذي لا يستطيع أن يعبر عن نفسه، وعندما تصل روح الكذب إلى الفن فعلى الدنيا السلام.
سألته نجاح وهل يستطيع أن ينفصل الفنان عن الإنسان في شخص واحد؟ قال أديبنا الكبير: الفنان لا يكون إلا صادقا فينقع هذا الصدق على حياته، بمعنى آخر الفنان ينقع على الإنسان الصدق فيصبح إنسانا صادقا..
والصدق أساس الفن، والفنان كفنان لا غنى له عن الصدق.. لكن أي صدق؟ نسميه الصدق الفنى ونقصد به أمانة التعبير عن الشيء عموما.. شخص كان أو موقفا.
وسألت نجاح عمر : ما هى أصدق أعمالك ؟
أجاب: بكل أمانة لا أذكر أنى كنت غير أمين في أي شيء، لكن أكبر مخاطرة واجهتنى وأنا أقول الصدق كان في رواية (القاهرة الجديدة) لأنها كانت محاولة لتعرية المجتمع والهجوم على مواقع القوة فيه وهى في قمة سطوتها، والرقابة لم تفهم لكنها حذفت منها فصلا بأكمله.
فالبطل فيها مدين لنشأته، للشارع وللفطرة، هو محجوب عبد الدايم الثائر على واقعه والحاقد على مجتمعه، ورث عن والديه الفقر والهوان ويحمل مجتمعه مسئولية حرمانه وجوعه. فلم يجد محجوب عبد الدايم إلا طريقا واحدا فعلق فوق رأسه قرونا ذهبية هي ثمن الوظيفة، تزوج عشيقة الباشا ـــ إحسان شحاتة حبيبة صديقه ــ التي تحطمت أحلامها على صخرة واقع اجتماعى بطله رغيف الخبز لإخوتها السبعة فتحولت إلى عاهرة تزوجت قوادا. وأمام ذلك الواقع لا يستطيع محجوب عبد الدايم إلا أن يسير على يديه بفلسفة خاصة وسرية رافعا شعاره الساخر "طظ ".