صدقوا المواطن
من المؤكد أننا لم نخترع العجلة في تحسين مناخ الاستثمار، وأن هناك دولا كثيرة سبقتنا في هذا الملف وحققت خطوات جيدة ونتائج ملموسة وتجربة على أرض الواقع خلال فترة قصيرة وفعلت أكثر مما تكلمت، وانعكس ذلك على المواطن في صورة خدمات وزيادة دخل وتوفير فرص عمل، أما نحن عكسنا المسألة وتحدثنا كثيرا وعملنا قليلا فمازلنا نتحدث بصيغة المستقبل وذلك منذ سنوات طويلة، فقلنا إننا سنصبح في المقدمة وإننا سنكون وسنكون ولن يتمكن أحد من اللحاق بنا، وإننا سيكون لدينا استثمارات بالمليارات في كل القطاعات، وإن المؤسسات الدولية لا تتوقف بالإشادة بما حققته مصر في ملف الإصلاح الاقتصادى، وإن دولا كثيرة تعمل على تقليدها وإن فرص العمل لن تجد من يشغلها وإن جبال الذهب وآبار البترول ستغنى مصر عن السؤال، وإن خيرا كثيرا ينتظر المواطن المصرى متى: لا أحد يعرف؟ في المستقبل في القريب خلال أيام وربما سنوات كله في علم الغيب.
كل هذا كلام نسمعه كثيرًا من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء.. والحقيقية أن ثقافة الخير المنتظر وأننا على أبواب عبور عنق الزجاجة -التي طالت كثيرًا وأصبحت في طول برج القاهرة- ليست من اختراع الحكومة الحالية ولكنها ثقافة حكومية قديمة كانت ترددها كل الحكومات السابقة، ولكن الفرق بين الحكومات السابقة والحكومة الحالية أن الأولى كانت تصدق المواطن في شكواه وتعمل على تخفيف العبء عنه، كما أنها كانت تختار الوقت المناسب للحديث عن المستقبل والخير المنتظر، حيث يوجد حاضر يجب الاهتمام به وخدمات يجب أن تؤدى..
أما الثانية فلا تصدق المواطن على طول الخط فهى تعتبره كاذبا وجاحدا وناكرا للجميل وأنه يدعى الفقر والمرض والشكوى من ارتفاع الأسعار لتحقيق المكاسب وخداع الحكومة التي توفر كل متطلباته، حتى أنها تنقل الآلاف من ضحايا الحوادث إلى المستشفيات مجانا، يعنى حاجة آخر دلع، كما أن الحكومة الحالية بكامل أعضائها لا يتوقفون عن ترديد نشيد الإنجازات المنتظرة، وكأنه واجب يومى عليهم أن يؤدوه بكل حماس مهما كان الواقع مؤلمًا والمواطن لا يصدقهم والمستمع لا يطربه عزفهم، وإلا تعرضوا للعقاب من "الناظر"، على الحكومة أن تصدق المواطن المصرى في شكواه وأن الفترة الحالية من أصعب الفترات التي مرت على الأجيال الحاضرة، وأنها تعانى من قهر الأسعار صباحا ومساءً، وأن كثيرًا من الأسر أصبحت على خط الفقر ولم تعد قادرة على الوفاء بأبسط التزاماتها اليومية، وأن هناك واقعًا يجب أن يعاش وأن التجربة في مصر أثبتت أن المستقبل لا يأتي أو على الأقل يتأخر كثيرا.. فهل تتحقق المعجزة؟ الله أعلم.
