صناعة السلام.. الوقاية خير من العلاج
هناك الكثير من المجهودات لمواجهة الإرهاب وهذا أمر جيد ومهم، ولكن ينقص هذا المجهود الإغفال عن صناعة الحب والسلام والتعايش، نتحدث في كل مكان عن مواجهة الإرهاب إلى أن أصبح خطابًا في كل ندوة وفى كل قناة وفى كل جريدة، يتحدث من لهم منابر عن خطورة الإرهاب وتأثيره فى الوطن، وهذه قضية مهمة ولكن في المقابل لا نضع مشروعا لصناعة السلام، السلام الاجتماعى والسلام الإنسانى بل السلام الثقافى والأيديولوجى.
الحرب ضد الإرهاب وخاصة الإرهاب الفكري ليست هينة لأن من أخطر وأشد أنواع الإرهاب هو الفكري الذي يحكم سلوك الإنسان وتصرفاته، ومواجهة هذا النوع يمثل معركة شرسة لأنه ببساطة نما وكبر في خلال سنوات سابقة طويلة بل ممول وممنهج، ولذا يجب أن يأخذ العمل على مواجهته خطين متوازيين الأول هو مواجهته سواء أمنيا أو ثقافيا كما تحدثت في سلسلة من مقالات سابقة منذ أكثر من أربع سنوات، والثانى هو زرع السلام داخل العقول والنفوس، وأقصد هنا بعقول الأجيال القادمة التي لم تلوث بأفكار خفافيش الظلام ومدعي الإيمان.
يجب أن يتم القضاء على أصحاب العقول الظلامية في كل مؤسسة من مؤسسات الدولة ويجب محاكمة من يعلم ويدعو إلى هذا الفكر الأسود، يجب أن نرجع إلى مقولة "الدين لله والوطن للجميع" بل يجب أن يتم الفصل بين الدين والسياسة، وأن يكون هناك تكريس من جانب مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدنى لنشر ثقافة السلام وأخص هنا وزارة الثقافة والمؤسسات الدينية والمؤسسات التعليمية، فصناعة السلام ونشره وسيلة قوية للقضاء على الإرهاب بل صناعة السلام وسيلة أساسية لبناء الإنسانية وتهذيب الأخلاق واستعادة القيم..
فإذا تركنا النشء دون أن نسمم أذهانهم بأفكار التمييز والتكفير ودون أن ننمي في أذهانهم فكرة تضخيم الأنا وتمييزها على الآخرين ودون أن ننمي بأذهانهم فكرة التفضيل ودخول فريق الجنة والآخر إلى النار، إذا تركنا الأجيال الجديدة دون أن نسمم أذهانها وعقولها بهذه الأفكار سينمو السلام في نفوسهم تلقائيا وبشكل فطري ونكون أغلقنا الأبواب التي تغذي الإرهاب فكرا وفعلا، وكل منا مدعو للمساهمة في هذه الصناعة، صناعة السلام.