رئيس التحرير
عصام كامل

بالصور.. مأمورية ضرائب الكبار «مهددة بالانهيار».. السكن غير آدمي.. «التروسيكل» وسيلة نقل 2 مليون جنيه يوميا.. ووزراء ورجال أعمال وقرى سياحية بالساحل الشمالى أهم الممولين

فيتو

الصدفة وحدها كانت وراء الكشف عن واقعة إهمال جسيمة، داخل واحد من أهم مقرات الضرائب العقارية في مصر، فأثناء تواجد محقق “فيتو” في الساحل الشمالي، طلب منه أحد الأصدقاء مرافقته إلى مأمورية الضرائب العقارية في العلمين، لتسديد قيمة الضرائب المستحقة عليه.. ما أن وصل المحقق إلى المكان، حتى عقدت الصدمة لسانه، فالمقر يوجد في بناية قديمة تقع في منطقة تبعد عن العمران عشرات الكيلو مترات، ولا تتوافر بها وسائل مواصلات.


مقر ضيق
أما المقر نفسه فهو ضيق للغاية، ما أدى إلى تزاحم شديد من قبل الممولين، الذين اضطروا إلى الوقوف على سلالم متهالكة.. الفضول دفع المحقق لجمع بعض المعلومات عن هذا المقر، وتبين أنه يخدم ما يقرب من 80 ألف ممول، بينهم رجال أعمال ومسئولين كبار، من أصحاب الفيلات والشاليهات والقرى السياحية الممتدة على طول الساحل الشمالي، ويتم توريد مبالغ مالية تصل إلى 2 مليون جنيه في اليوم الواحد.
بعد انصراف المواطنين تحدث المحقق مع واحد من مأمورى الضرائب العاملين في المقر، وسأله عن الأسباب التي أدت إلى تردي أوضاع المقر بهذا الشكل، والمشكلات والمخاطر التي يتعرضون لها، والصعوبات التي تواجههم في أداء عملهم، فسرد الرجل تفاصيل أغرب من الخيال نرويها بالكلمة والصور في السطور التالية:

مأمور الضرائب
يقول مأمور الضرائب: “مقر المأمورية يفتقر لأبسط المقومات التي تكفل الحياة الكريمة لأي إنسان، فهو عبارة عن شقة صغيرة لا تزيد مساحتها على 60 مترا، مكونة من غرفتين ضيقتين، ومطبخ وحمام صغيرين للغاية.. أما الحوائط فهي متصدعة ومتهالكة شأنها شأن السقف الذي تكثر به الشقوق، وتهدد بسقوطه في أي لحظة، أما أبواب المقر، فهي هشة للغاية ومن السهل جدا كسرها، فضلا عن عدم وجود أقفال مناسبة بها، ومن ثم لا يمكن إحكام غلقها، ونفس الشيء ينطبق على النوافذ التي يمكن لأى طفل صغير تحطيمها بسهولة”.

آثاث متهالك
صمت مأمور الضرائب قليلا واستطرد: “أثاث المقر عبارة عن عدد قليل جدا من المكاتب العتيقة، والكراسى البلاستيك المحطمة، وجميعها موضوعة على أرضيات مليئة بالحفر، ما اضطرنا إلى تثبيتها تارة بقطع خشبية صغيرة، وتارة أخرى بورق “الكارتون”، وجميع الدواليب بلا أقفال ويتم تكديس الملفات والدفاتر فيها بطريقة عشوائية، دون غلق الدولاب، أما الدفاتر التي لا يوجد لها مكان فتلقى على الأرض بشكل عشوائي.. أما الخزينة التي من المفترض أن يتم حفظ مبالغ مالية فيها تقدر بالملايين، فهى من النوع العتيق وصغيرة الحجم، ولا يوجد لها مكان آمن، وهى موضوعة فوق مجموعة من الأحجار، دون أن تكون مثبتة داخل الحائط، وأى لص أو مجموعة لصوص يمكنه حملها والهروب بها بسهولة بما فيها من أموال أو مستندات مهمة”.

استراحة الموظفين
سأل المحقق مأمور الضرائب عن مرافق المقر والأثاث اللازم للمعيشة، فضحك ضحكة ساخرة وقال: “مقر معيشة مأمورى الضرائب والعاملين هنا يقع في استراحة مقابلة لمكان العمل هذا، وحاله ليس بأفضل من حال مقر العمل.. دعنا نراه على الطبيعة”.. انتقلنا إلى الاستراحة وتجولنا فيها لنفاجأ بوضع مزرٍ للغاية.. شقة ضيقة للغاية، لا توجد مياه نهائيا ويتم الاعتماد على المياه المعبأة في “جراكن أو زجاجات كبيرة” سواء في الحمام أو المطبخ.. أما الحمام فهو متهالك جدا ولا يصلح للاستخدام الآدمي، بالإضافة إلى تهالك أرضيته والباب الخاص به، وتتكدس به زجاجات مياه كبيرة الحجم بعضها فارغ والبعض الآخر به ماء.

ونفس الشيء ينطبق على المطبخ الذي يضم بوتاجازا عتيق الطراز اختفت جميع المفاتيح الخاصة به، وتعلوه طبقة كبيرة من “الأتربة” الملتصقة عليه، وعدد من الأطباق والملاعق.. أما الحوض فهو بلا مياه تغطيه طبقة من الصدأ، وبجواره زجاجات مياه تستخدم في غسيل الأواني.. سألنا مأمور الضرائب عن العدد الكبير من زجاجات المياه الموجودة في كل مكان، فقال إن المياه مقطوعة معظم الوقت، ما يزيد من معاناتهم، فيضطرون لتخزين المياه في تلك الزجاجات كبيرة الحجم.. لاحظنا كذلك شقوقا وتصدعات خطيرة في الحوائط والجدران، مع وجود أَسرة بالية للغاية، وشاهدنا وجود بعض الملابس منشورة على “حبل غسيل” داخل الاستراحة نظرا لعدم وجود “بلكونة”!

مشكلات ومخاطر
عاد المحقق إلى مأمور الضرائب وسأله عن كيفية أداء عمله هو وزملائه والمشكلات والمخاطر التي تواجههم فأجاب: “مأمورية الضرائب العقارية في العلمين تعد من أهم المأموريات على مستوى الجمهورية، لأنها مختصة بالتعامل مع كبار الممولين من أصحاب الوحدات السكنية والقرى السياحية الموجودة على طول الساحل الشمالى حتى الضبعة، ومن أشهر القرى السياحية التي نتعامل معها: “مارينا، وبورتو مارينا، ومرسيليا، وفيستا مارينا، ولؤلؤة هليوبوليس، وهايسندا باى، ومراسى وستيلا مارينا، وأمواج، وبيانكى”.

يبدأ عملنا في الثامنة صباحا، ونظرا لعدم وجود سيارة خاصة بالمأمورية، وعدم توافر وسائل مواصلات أجرة بالكثافة المطلوبة، فإننا نستأجر سيارات على حسابنا الخاص، ونتوجه بها إلى تلك القرى، ونحصل الضرائب المستحقة عليها، وفى بعض الأحيان نضطر للسير على أقدامنا مسافات قد تصل إلى 5 كيلومترات، وفى نهاية اليوم نعود حاملين مبالغ مالية كبيرة يصل مجموعها في اليوم الواحد إلى 2 مليون جنيه، وهو ما يعرضنا لمخاطر كبيرة، أو مهاجمة اللصوص والعصابات الإجرامية.

حراسة الخزينة
وعند وصولنا إلى “المقر” نثبت الأموال التي حصلناها في دفاتر خاصة، ونضعها في الخزينة، وينام بعضنا ويظل البعض الآخر مستيقظا لحراسة الخزينة، نظرا لسهولة اقتحام المكان وسرقتها، وفى صباح اليوم التالى يحمل موظف مختص الأموال، ويستقل سيارة لمسافة تصل إلى 50 كيلومترا، حتى يصل إلى مدينة الحمام، ليقوم بتوريد المبلغ في فرع البنك الأهلي الموجود بها.

وفى أحيان كثيرة لا نجد وسيلة مواصلات مناسبة، فنتحرك باستخدام “تروسيكل”!!.. مأمور الضرائب أضاف أنه يعمل طوال النهار في تحصيل الضريبة العقارية حتى الثامنة أو التاسعة مساء، بعد ذلك يبدأ في تحصيل نوع آخر من الضرائب، هو ضريبة “الملاهي” التي تفرض على الألعاب الترفيهية الموجودة في القرى السياحية، ويستمر عمله أحيانا حتى السادسة من صباح اليوم التالي.

قطاع الطرق
عاد مأمور الضرائب ليتحدث عن المخاطر الجمة التي يمكن أن يتعرض وزملاؤه لها قائلا: “مأمورية الضرائب العقارية بالعلمين، تقع في منطقة شبه نائية، ويوميا نسير لمسافات طويلة، أيضا المقر قديم ومتهالك ويسهل اقتحامه، ونحن نحصل مبالغ مالية كبيرة يوميا.. كل هذه عوامل قد تشجع “قُطاع الطرق” أو الخارجين على القانون لمهاجمتنا سواء داخل المقر، أو أثناء سيرنا على الطريق، والاعتداء علينا أو ربما قتلنا وسرقة ما بحوزتنا من أموال الدولة.

أيضا المناطق الصحراوية القريبة منا، قد تأوى عناصر متطرفة وإرهابية، وهؤلاء من الممكن أن يستهدفوا المقر للاستيلاء على ما به من أموال واستخدامها في عملياتهم الإجرامية.. أيضا يوجد بالمأمورية 11 موظفا مغتربا، وهذا العدد غير كافٍ بالمرة لتغطية كل المناطق وتحصيل الضرائب، ونضطر للعمل على مدار 24 ساعة في بعض الأحيان.. ودائما ما نقسم أنفسنا إلى ورديات البعض ينام والبعض الآخر يحرس المقر ويؤمن زملاءه”..

أوضاع استثنائية
وأضاف: “لم نقف مكتوفى الأيدى أمام تلك الأوضاع الاستثنائية، وقدمنا مذكرة رسمية إلى مدير عام منطقة الضرائب العقارية في مطروح، عرضنا فيها 6 مطالب مهمة لا بد من تنفيذها على وجه السرعة، لضمان حسن سير العمل، وتوفير الأمان للعاملين بالمأمورية.. تتمثل تلك المطالب في: أولا: صيانة وترميم مبنى المأمورية، صيانة كاملة مع تركيب أبواب وشبابيك جديدة من الحديد، لتوفير الأمان الكامل، حيث إنها معرضة للسرقة في أي لحظة، نظرا لكثرة المبالغ المالية الموجودة بها.

ثانيا: توفير خزينة جديدة كبيرة ووضعها تحت تصرف مسئول التوريد.. ثالثا: تعيين فرد حراسة على مبنى المأمورية يتولى تأمينها طوال الوقت.. رابعا: توفير وسيلة مواصلات يستخدمها مسئول التوريد في تحركاته، خصوصا أنه يقطع مسافة تزيد على 50 كيلو مترا كى يصل إلى فرع البنك الأهلي لتوريد أموال الضرائب.. خامسا: تأمين مسئول التوريد أثناء ذهابه إلى فرع البنك.. سادسا: توفير ماكينة عد نقود والتي أصبحت مهمة للغاية، بعد تزايد المبالغ الموردة من قبل الممولين.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية