رئيس التحرير
عصام كامل

سكة الندامة


المتابع لما جرى بعد حادث القطار المهين، يتعيّن عليه أن يعيد تسمية سكك حديد مصر إلى سكة الندامة، ويفرض عليه هذا الواقع أن يضع لافتة كبيرة على مبناها الشاهق «عفوا السكة تعود للوراء».. نعم سكة الوزير عادت للوراء، وأعادت إلى الأذهان التركيبة الكيميائية العجيبة للفساد، وللأسف الشديد لم يكن الوزير -وزير النقل- بحاجة إلى العودة لأجهزة رقابية قبل أن يصدر قراراته الميمونة بالتعيينات الجديدة.

لو أن السيد وزير النقل عاد إلى مستر «جوجل» سيدرك أن ملفات البعض وما حوته من قضايا فساد وتحقيقات سابقة، ومن حامت حولهم الشبهات أكبر دليل على أن فضائحنا لم تعد سرية، بدليل أن السيد جوجل الأجنبى يكشف لنا العديد منها، والمثير أيضا أن لدينا أجهزة رقابية «إيديها طايلة» لدرجة أنها سافرت ذات مرة خارج الحدود لضبط الإيقاع بإحدى سفاراتنا، فإن كانت على هذا النحو من القدرة، فكيف لها أن تسمح بما جرى وما يجرى وما سوف يجرى.

قرر السيد وزير النقل (شفاه الله وعافاه من كل داء حتى لو كان داء العودة إلى الوراء) أن يتولى المهندس سيد سالم رئاسة الهيئة بعد الحادث اللعين، علما بأن المذكور كان قبل شغله منصبه الجديد هو المسئول الأول عن التشغيل، أي أنه واحد من أهم المسئولين عن الحادث الذي أودى بحياة العشرات، فالتشغيل في سكك حديد مصر يعنى أنه العقل وأداة التنفيذ، وما جرى كان وراءه تخلف عقلى وعدم انضباط في التنفيذ، فكيف يتسنى لسيادته أن يُكافأ عن خطاياه بأن يتولى رئاسة الهيئة؟!!

كان من المفترض أن يكون سيد سالم ضمن من يشملهم التحقيق، باعتباره عقل الهيئة وضميرها والمسئول عن تشغيل القطار المنتحر على القضبان، غير أن مصر بلاد العجب العجاب، يصبح فيها المسئول عن الكارثة سيد الموقفّ.. أقول ذلك حتى لو كانت مسئوليته ضمنية، فالمنطق يفرض علينا أن يكون الشخص المسند إليه الرئاسة بعيدا عن الحادث الجلل الذي هز كيان أسر مصرية كل ذنبها أن أبناءها استقلوا قطارا للوصول إلى غاية حياتية، فكان نصيبهم الوصول سريعا إلى رحلة نهاية العمر.

أما تعيين المهندس مصطفى أبو المكارم ليصبح رئيسا لشركة الصيانة والتجديد بالهيئة، فهو بحق معجزة ليس بعدها معجزة، فالمعروف عن سيادته فعلا أنه معجزة بكل المقاييس.. كان الرجل مسئولا عن الموارد البشرية، وصدر قرار باستبعاده سابقا إلى منفى النقل النهري.. غاب هناك قرابة العام ونصف العام ليعود بقدرة قادر إلى رئاسة شركة الصيانة والتجديد، حيث لم يضبط في يوم من الأيام بقدرات خارقة في هذا المجال الجديد، وهو المستبعد من إدارة الموارد البشرية بقرار وزارى سابق، ولم يكن هذا الاستبعاد بسبب قدراته الخارقة بالطبع.

المثير أن هيئة سكك حديد مصر لديها سبعة نواب لرئيس الهيئة، وكانت تستعين ببيت خبرة إيطالى بمنحة من البنك الدولي، وكان لكل نائب مصرى بالهيئة مرادف له إيطالى لنقل الخبرات والاستعانة بهم في التطوير.. حصل بيت الخبرة على ٤٨ مليون جنيه ومثلها باليورو، أي حصل على قرابة المليار جنيه بالتمام والكمال دون أن تحل بركاتهم على السكة ودون أن نرى مواهبهم طوال فترة التعاقد.

بيت الخبرة المزعوم انتهى عقده، غير أن اثنين من أعضاء فريق بيت الخبرة وجدا أن مصر بلد العجائب فعادا إلى بلادهما، وأنشآ بيت خبرة آخر وعادا بمنحة أخرى مثل التي انتهت، وهما يعيشان بيننا الآن ويمارسان الحياة معنا كخبراء عباقرة ونواب خواجات للنواب المحليين، دون أن يسأل السيد الوزير عن دور هذا البيت وما قدمه طوال تاريخه الماضى وتاريخه القادم.. أقول وبكل صراحة ووضوح وشفافية إذا كنتم ترفضون خصخصة السكة الحديد فلماذا لا نسلمها لقواتنا المسلحة تعيد إليها الحياة وتستبعد منها الفاسدين واللصوص وتستعين بخبراء أجانب من النوع الحقيقى وليس المضروب؟!!

الجريدة الرسمية