كواليس قرار تخفيض المعونة الأمريكية لمصر.. معهد واشنطن: يعكس صراعات داخل الكونجرس..ملف حقوق الإنسان ذريعة إجبار القاهرة لقطع العلاقات مع كوريا الشمالية.. وموقف الـ195 مليون دولار «مبهم»
كشف تقرير صادر عن معهد «واشنطن» لسياسة الشرق الأدنى، كواليس قرار الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، بتخفيض المعونة العسكرية التي تناهز قيمتها 300 مليون دولار إلى مصر.
قرار مفاجئ
وأكد المعهد أن قرار الولايات المتحدة الأمريكية في 22 أغسطس الجاري، كان بمثابة مفاجأة للقاهرة، مضيفًا: «لعدة أشهر، افترضت الحكومة المصرية أن التوافق الدافئ بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي كان كافيًا لضمان علاقات ثنائية وطيدة، تشمل المساعدات العسكرية الأمريكية بعد سنوات من عدم اليقين في ظل الإدارة الأمريكية السابقة، ومع ذلك، تعكس التغييرات على مستوى المساعدات السياسات البيروقراطية والمحلية المعقدة التي تنطوي عليها السياسة الأمريكية تجاه مصر، والتي عجزت إدارة ترامب عن معالجتها في هذه الحالة، الأمر الذي أسفر عن نتيجة مربكة تتعارض على الفور مع الأولويات الأخرى للإدارة الأمريكية.
صراعات المعونة
وأكد التقرير أن القرار يعكس الصراعات المؤسسية حول ثلاث حزم منفصلة من المساعدات المقدمة لمصر، حيث تمّ إلغاء اثنين منها، أولًا، وتعيد الإدارة الأمريكية برمجة مساعدة عسكرية بقيمة 65.7 مليون دولار من السنة المالية 2014.
وكان الكونجرس أوقف تسديد هذه المبالغ بموجب ما يسمى بقوانين ليهي [على اسم السيناتور الأمريكي من ولاية فيرمونت] التي تحظر تقديم المساعدات لقوات أمن أجنبية قد تتراجع أوضاع حقوق الإنسان في بلادها.
تقرير المحاسبة الحكومي
وأوضح التقرير أنه في أبريل 2016، أيّد تقرير “مكتب المحاسبة الحكومي” الأمريكي، بعنوان “على الحكومة الأمريكية تشديد مراقبة الاستخدام النهائي والتحقق من احترام حقوق الإنسان في مصر”، مخاوف الكونجرس بشأن غياب التدقيق الكافي في مدى تطوير أوضاع حقوق الإنسان في مصر قبل منحها مساعدات عسكرية أمريكية، ولذلك قررت إدارة ترامب أنها لن تكون قادرة على معالجة هذه المخاوف قبل نهاية سبتمبر، حين تنتهي عندئذ هذه المساعدات.
الـ30 مليون دولار
وذكر أن الإدارة الأمريكية تعيد توجيه مساعدة اقتصادية بقيمة 30 مليون دولار من أجل معالجة أولويات إقليمية أخرى غير محددة حتى الآن، وتعكس هذه الخطوة المخاوف المستمرة داخل الحكومة الأمريكية والكونجرس تجاه مصر.
قانون المنظمات غير الحكومية
وأشار إلى أن واشنطن حذرت القاهرة من أن قانون المنظمات غير الحكومية المقيّد قد يعيق تقديم أي مساعدة اقتصادية، موضحا أن الإدارة الأمريكية قد واجهت ضغوطًا كبيرة من الكونجرس لوقف هذه المساعدات.
شروط الصرف
ومع ذلك، عملت الإدارة الأمريكية على تحقيق سيطرة مباشرة بشكل أكبر على الحزمة الثالثة، التي تنطوي على 15 في المائة من 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية لمصر، أو 195 مليون دولار.
وقد اشترط الكونجرس صرف هذه المساعدات من خلال قيام وزير الخارجية الأمريكي بالتصديق على قيام مصر باتخاذ خطوات فعالة نحو تحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن إدارة ترامب تنازلت عن هذا الشرط المتعلق بالتصديق لأسباب تتعلق بالأمن القومي، وبالتالي حافظت على المساعدات المتاحة بدلًا من ترك صلاحيتها تنقضي في 30 سبتمبر المقبل، ولكن الإدارة الأمريكية وضعت شروطًا جديدة لاستخدام تلك المساعدات، بحيث يتم إنفاذها من قبل “وكالة التعاون الأمني الدفاعي”، التي تدير المساعدات العسكرية الأمريكية، والتي يجب أن توافق على أي نفقات للمعونة إلى مصر.
مخاوف أمريكا
ومع ذلك، فإن الشروط المفروضة على الـ 195 مليون دولار مبهمة بعض الشيء، فبدلًا من تقديم خطوات ملموسة يجب على القاهرة اتخاذها لتلقّي المساعدة، تحدثت الإدارة الأمريكية عن ثلاث مجموعات من المخاوف لكنها عجزت عن تحديد ما إذا كان يجب تذليل بعضها أو جميعها.
على سبيل المثال، حثت القاهرة على إظهار تقدم في قضايا المجتمع المدني، من خلال تحسين قانون المنظمات غير الحكومية الجديد أو حل محاكمة المنظمات غير الحكومية لعام 2013، التي استهدفت أربع منظمات غير حكومية مؤيدة للديمقراطية تمولها الولايات المتحدة، وتريد الإدارة الأمريكية أيضًا أن تحتضن القاهرة بصورة أكثر حماسًا الجهود الأمريكية لإعادة تركيز التعاون العسكري على مكافحة الإرهاب، والأمر الأكثر حساسية هو أن الولايات المتحدة تضغط على مصر لـ “التوقف عن استضافة العمال الكوريين الشماليين، ووقف تقديم فوائد اقتصادية أو عسكرية لكوريا الشمالية”، كما أكّد الرئيس ترامب خلال مكالمته الهاتفية مع الرئيس السيسي في 5 يوليو.
مكافحة الإرهاب
ولفت المعهد إلى أن قلق واشنطن المزعوم بشأن جهود مصر التي وصفتها بالضعيفة في مكافحة الإرهاب، وعلاقتها مع كوريا الشمالية أمر مبرر لاتخاذ القرار.
وأضاف: «لكن طبيعة هذه الشروط العشوائية وواقع تأثير الاعتبارات البيروقراطية والسياسية على قرار المساعدة موضع البحث، عوضًا عن أي استراتيجية شاملة للعلاقات بين الولايات المتحدة ومصر أو المنطقة الأوسع، تعكس حالة من الفوضى في عملية صنع السياسات».
وقال أيضا: «كان يتمّ الإعلان عن قرارات الإدارات السابقة بشأن التغييرات في المساعدات بعد إبلاغها إلى أعلى المستويات في الحكومة المصرية، لم يعلم كبار المسئولين المصريين بالقرار الذي اتُخذ في الثاني والعشرين من أغسطس الحالي سوى بعد قراءة تقرير أولى لوكالة “رويترز”، كما يأتي خفض المساعدات قبل أسابيع فقط من الموعد المقرر لاستئناف الولايات المتحدة والقاهرة مناورات “النجم الساطع” المشتركة التي تجري مرة كل عامين، والتي أعيد تصميمها بناءً على حث واشنطن من أجل التركيز على مكافحة الإرهاب بعد توقّف دام أربع سنوات.
المساعدات الجديدة
وأوضح أن عملية التعميم كانت ضعيفة التنسيق داخل الحكومة الأمريكية، وبالفعل تسربت سياسة المساعدات الجديدة قبل ساعات فقط من وصول وفد أمريكي رفيع المستوى - يضم المستشار الأقدم للرئيس ترامب جاريد كوشنر، ونائبة مستشار الأمن القومي الأمريكي دينا باول، ومبعوث السلام في الشرق الأوسط جيسون جرينبلات - إلى القاهرة لعقد اجتماع مع السيسي.
وكان الوفد يزور مصر في إطار جولة إقليمية أوسع نطاقًا تركز على تعزيز السلام الإسرائيلي – الفلسطيني، وإنهاء المواجهة بين شركاء واشنطن في الخليج، بيد أن قرار المساعدات سيجبر الوفد على معالجة العلاقة الأمريكية - المصرية بدلًا من هذه الأولويات الأخرى.
القرار الأخير
وتابع:«يقينًا، يكتنف الغموض الأثر النهائي لقرار المساعدات، نظرًا لأن معظم الأموال المعنيّة قد يتمّ توزيعها في النهاية، بإمكان الإدارة الأمريكية أن تخفف من الارتباك المفاجئ الذي أصاب العلاقة الثنائية من خلال وضع شروط أكثر وضوحًا للسماح للقاهرة بإنفاق المساعدة العسكرية البالغة قيمتها 195 مليون دولار والمؤجلة حاليًا، ومع ذلك، فإن الطريقة التي اتخذت بموجبها واشنطن قرارها وكيفية إعلانها عنه قد قوّضت بشكل كبير من مصداقية إدارة ترامب مع القاهرة، التي لديها الآن سبب للتشكيك في ما إذا كانت هناك أهمية للدعم اللفظي الذي عبّره الرئيس الأمريكي تجاه السيسي.