رئيس المركز القومي للترجمة: الجامعات الإقليمية أحد أسباب تطرف الطلبة
- - 120 كتابا إصدار القومى للترجمة بعد «تعويم الجنيه»
- - 25 % من ميزانية المركز تذهب لعملية الترجمة.. ووزارة المالية تدعمنا
- - مشروع الترجمة العلمية وكتب الأطفال يحتاج قرارا سياسيا عربيا مشتركا
- - مصر تفتقر إلى هيئة وميزانية مستقلة تهتم بنشر الفكر العربى خارجيا
- - وزارة الخارجية مسئولة عن نشر الثقافة المصرية عالميا.. وجنوب أفريقيا محطتنا الأولى
- - الدكتور جابر عصفور شجعني على العمل بالترجمة.. والنشاط السياسي دفعني للالتحاق بقسم الفلسفة
«الفلسفة تعلم الإنسان الوصول إلى سن الرشد».. هذا ما قاله أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة بجامعة حلوان الدكتور أنور مغيث، رئيس المركز القومى للترجمة، مؤكدًا خلال حواره مع «فيتو»، أن القومى للترجمة تأثر مثل باقى قطاعات الدولة بـ«التعويم»، مشيرًا إلى أن الترجمة صناعة ثقافية ثقيلة الدول تتحمل إنتاجها، وأن المركز بدأ خطواته الأولى في نقل الثقافة العربية إلى جنوب أفريقيا.
ومن ناحية أخرى.. كشف الدكتور أنور مغيث لـ«فيتو» عن مراحل تعليمه الأولى ورحلته إلى باريس وكيف كان العمل السياسي سببا في التحاقه بقسم الفلسفة.. إلى نص الحوار:
- بعد إعلان الحكومة عن تحرير سعر الصرف.. كيف تأثر المركز القومى للترجمة بذلك؟
المركز القومى للترجمة تأثر مثل بقية القطاعات في مصر بتعويم الجنيه وارتفاع سعر الدولار، وتأثرنا بالتعويم بشكل مباشر لأن جزءا كبيرا من ميزانية المركز تدفع إلى الناشرين الأجانب للحصول على حقوق الملكية الفكرية للكتب التي نطلب ترجمتها، ولم تكن المشكلة فقط في سعر الصرف، ولكن إذا كان بند الميزانية سابقا سمح بأن نحصل على 300 عنوان في السنة، الآن يوجد 120 عنوانا فقط وفقا للسعر الجديد، أيضًا واجهنا أزمة في بطء إرسال الدولارات للناشر الأجنبى عقب التعويم مباشرة استمرت لعدة شهور، فقبله كنا نرسلها في خلال أسبوعين أو ثلاثة على أقصى تقدير وفى نفس الوقت نحصل على العقود ويبدأ المركز في عمله.
أما فيما يخص الميزانية، فعندما يستنفد المركز بند الملكية الفكرية ونكون مازلنا في حاجة إلى أموال لترجمة كتب أخرى، فنطلب من وزارة المالية والتي بدورها تدعم المركز، والآن يسرت عملية الحصول على العملة الصعبة.
- ألم يؤثر بطء الدولارات في العلاقة بين المركز والناشر الأصلى وفسخت أحد العقود؟
بالطبع العلاقة تأثرت.. لأننا نتفق مع الناشر على أننا على سبيل المثال سنأخذ كتابا بـ1000 دولار وأننا منظمة حكومية غير هادفة للربح، ويتوقع الناشر إرسال الدولار خلال شهر حتى يتم توقيع العقود، وعندما نعتذر له أكثر من مرة لتأخر الإرسال، فيتصور الناشر أننا غير جادين ولا ننفذ اتفاقيتنا، ولم تفسخ أيا من عقود المركز لأن الاتفاق والتوقيع يحدث بعد إرسال الدولارات.
- تقليص ميزانية المركز من 23 مليونا إلى 20 للعام المالى الحالى.. كيف ستؤثر في بنود الصرف خاصة حجم الإنتاج؟ وهل تأثر أجر المترجم؟
تقليص الميزانية لم تكن للقومى للترجمة على وجه الخصوص، ولكن توصية من الحكومة لكل الوزارات بأنها تخفض مصروفاتها بنسبة 15%، وهنا بنود الميزانية محددة سلفا ولا تحدد سنويا، وبالتالى كل البنود من أجور وطباعة ومبانٍ وغيرها تأثرت بتلك النسبة، ولكن عندما يستنفد أي بند من البنود ويكون ضروريا لاستمرار العمل نقدم طلبًا لوزارة المالية ويأتى إلينا التعزيز، وهذا حدث بالفعل في بند الملكية الفكرية وحصلنا على تعزيز وسددنا حقوق الكتب المتفق عليها.
والمركز ينتج بمتوسط 300 كتاب في السنة، نتمنى أن نصدر 500 عنوان، فعدد الكتب المترجمة لكل 1000 مواطن هي مؤشر على تقدم الأمم وذلك وفقا لمعايير الأمم المتحدة، ولو نظرنا إلى المجتمع العربى ككل، سنجد أن العرب ما زال أمامهم مشوار طويل للوصول إلى المتوسط العالمى، وهدفنا زيادة الكتب المترجمة في مصر، ولكن هل ميزانية المركز مرشدة أم بها إهدار مالى؟! وهنا ننظر إلى مؤسسات الترجمة العربية والتي تنفق عليها حكوماتها سواء دار كلمة أو المنظمة العربية للترجمة في بيروت أو بيت الحكمة في تونس، سنجد أن القومى للترجمة بميزانيته الأقل منهم، ينتج كتبا أكثر من كل المنظمات العربية مجتمعة.
وبالنسبة لأجر المترجم فمازال كما هو ولم يخفض، ولكن كنا نسعى جادين في زيادته وبالتالى أجلت تلك الخطوة حتى استقرار الأوضاع.
- وكم ينفق من الميزانية الكلية للمركز على عملية الترجمة وحقوق الملكية الفكرية؟
25 % من الميزانية الإجمالية تذهب لعملية الترجمة ككل من ورق وطباعة وخلافه.
- كنت قد أطلقت مبادرة لمشروع للترجمة يهتم بالكتب العلمية وكتب الأطفال على المستوى العربى وبرعاية من جامعة الدول العربية.. فأين وصل هذا المشروع وما التكلفة المبدئية له ومدة تنفيذه؟
ما زال موجودًا في إطار النوايا والبروتوكول العام لم يتم فيه اتخاذ إجراءات محددة، والمشكلة أننا عندنا صعوبة في الانطلاق بمعنى –هنبدأ إزاى- وأتصور أنه كان لدينا مبلغ مالي بسيط يسمح لنا بإصدار 5 كتب كمنتج أمام القارئ فالناس تلتفت لفكرة المشروع سينطلق المشروع وسيمول نفسه بنفسه، والمشكلة أن كل الهيئات العربية بما فيها القومى للترجمة لا تستطع تخصيص جزء من ميزانيتها للمشروع، وهذا يجعلنا نحتاج قرارا سياسيا عربيا موحدا يجمع وزارات الثقافة العربية بتخصيص مبلغ 5 ملايين دولار سنويا مثلا لترجمة الكتب العلمية وكتب الأطفال، وفى هذه الحالة ستشكل لجنة ونبدأ في التنفيذ.
- وهل تستطيع إيرادات القومى للترجمة أن تنفق على أحد بنوده في يوم من الأيام؟
القومى للترجمة لا يعمل بمنطق تجارى؛ لأنه جهة غير هادفة للربح، وبالتالى يسعر الكتاب بسعر التكلفة، ونخصص قطاعات كبيرة تستفيد بتخفيض 50% على إصداراتنا كطلبة وأساتذة الجامعات والصحفيين والإعلاميين، وبالتالى كل ما نبيع أكثر نخسر أكثر وهذا المنطق، ولو كنا جهة هادفة للربح سنضيف 30% على سعر الغلاف، بحيث يكون دخلا للمركز ينفق على أشياء أخرى، ولكن القانون لا يسمح بذلك، فالدولة هي من تدعم الترجمة، وهذا يحدث في العالم كله لأن تكلفة الكتاب المترجم كبيرة، والناشر الخاص لا يقبل على ترجمة الكتب إلا التي يرى أنها ستحقق مبيعات كبيرة، أما إذا كان الكتاب مهم للطلبة والباحثين، ولكنه لن يتم بيعه في السوق، فمن الصعب أن يُقبل الناشر على طرحه، وعلى سبيل المثال موسوعة مسألة فلسطين وهى 10 أجزاء والوثائق السرية الإسرائيلية لحرب أكتوبر صدر منها 5 أجزاء حتى الآن، والهدف في إصدارهما في الأساس لخدمة الباحثين على المستوى ككل، وهذا ما نطلق عليه الصناعة الثقيلة، التي تتكفلها الدولة ونجدها في فرنسا وألمانيا وغيرهم، أيضا يعرض علينا ممثلو السفارات مجموعة من الكتب المهمة كى نترجمها مع تحمل 50% من نفقاتها، وهنا الدول هي من تدفع لنشر ثقافتها في الخارج، كذلك لديهم صندوق لدعم الترجمة إلى الفرنسية أو الألمانية، فالترجمة منذ أن أنشأ المأمون بيت الحكمة وصرف عليه أموال الخلافة العباسية، دائمًا الدولة هي من تصرف على تلك الصناعة.
- وإذا انتقلنا إلى رحلتك لباريس والحصول على شهادة الدكتوراه.. فكيف اكتشف أنور مغيث ابن مدينة الباجور هذا العالم الجديد مع حفاظه على الهوية المصرية؟
تركت مدينة الباجور وأنا عندى 12 سنة، وانتقلت مع الأسرة إلى محافظة بنى سويف لمدة 3 سنوات، ثم حصلت على شهادة الثانوية من مدرسة الجيزة بشارع الهرم، ودرست في جامعة القاهرة، وبالتالى لم تكن صدمة الحداثة مباشرة بين الباجور وباريس، وكان الأمر المثير هو قرار السفر نفسه؛ لأننى سافرت إلى باريس من غير منحة وكنت طالبا متفوقا ممكن أن أعين معيدًا بالكلية، ولكن قررت أن أسافر على حسابى، والسبب أنني كنت متأثرًا بشكل رومانسي بنجوم الفكر والأدب الكبار الذين سافروا وحصلوا على شهاداتهم من باريس خصوصا في مجال العلوم الإنسانية والفلسفة، وتأثير الحياة في الغرب والتعامل مع المشكلات التي تدور هناك والأنشطة السياسية والثقافية والفنية خارج الجامعة جعلتنى أعيش في مناخ لم يكن يتوفر لى في مصر، وهذا كشف لى أهمية النقلة الحضارية والتنوع الثقافى، وفى نفس الوقت كنت في صراع داخلى بين التأثر بالحياة الجديدة والانجذاب إليها فأتزوج وأعيش هناك ككثير من زملائي، أو التركيز على هدفى والحصول على شهادة الدكتوراه في الفلسفة ثم العودة إلى مصر للتدريس، ومقاومة الإغراءات التي تدفعنى إلى الاستمرار بباريس.
- وما الذي تركه أنور مغيث في باريس من أفكار وعاد به إلى القاهرة على خلاف الفلسفة؟
صدر لى في فرنسا العديد من الكتابات بالمجلات العلمية، وفى مصر دراساتى تصدر في المجلات العلمية أيضا كقضايا فكرية ومجلة إبداع ومجلات كلية الآداب، ولاحظت عن غير قصد أن كتاباتى باللغة العربية تكون عن ميشال فوكو، جاك دريدا، وهابرماس وهم فلاسفة معاصرون في أوروبا، أما كتاباتى التي صدرت بفرنسا تكون عن قاسم أمين، طه حسين، عصام الدين حفنى ناصف، ومحمد عبده، فأكتب إلى ما يحتاجه الزبون إذا جاز التعبير، فأنقل للغرب الفكر المصرى المعاصر، فأهم الموضوعات التي يرغبون معرفتها متى بدأت الدعوة إلى العلمانية في مصر، الدعوة إلى حقوق الإنسان وردود الأفعال المختلفة تجاهها، ومتى انتقل العقل العربى المعاصر من الحكم على الأشياء كونها حلال وحرام إلى مفيد أو ضار وهذه نقله لم تكن سهلة لأن معيار الحقيقة أصبح لم يكن من منظور دينى فقط وإنما يعتمد على التجرية أو المنفعة أو الحس المشترك، وهذا معيار جديد في تقييم الأشياء لم يكن موجودًا من قبل، وهذا ما نطلق عليه «مسار علمنة الفكر».
- في ظل حال التعليم الآن.. ما تفسيرك لنجاح كل من يفشل في تحقيق حلمه داخل مصر ويتحقق خارجها؟
هناك سببان لذلك.. أولا من يسافر ويحقق نجاحات فهو إنسان ذكى وكفء وليس فاشلا، ولكنه لا يستطيع أن يتحقق في بلده، والفكرة لماذا يتعلم الإنسان خارج الجامعة، لأن في الماضى عندما كان الطالب ينهى فترات دراسته في المرحلة الأساسية يعود إلى أسرته يوميا، وكل أسرة لها معاير فيما هو مقبول وغير مقبول، وكل فرد حسب أسرته فهناك أسرة ليبرالية وأخرى محافظة جدا ودينية متشددة، وعندما يترك أسرته لدخول الجامعة في العاصمة فيجد الحياة مختلفة تماما، فيكتشف أن الفتيات تتحدثن مع الشبان وهذا طبيعى وليس عيبًا كما تربى في قريته، يستطيع أن يذهب إلى السينما والمسرح مع زملائه، يدعى إلى حفلات أعياد الميلاد، بالإضافة إلى تنوع مصادر المعرفة أمامه من كتب وروايات ومجلات، وكل هذا يساعد في تكوين الشخصية.
ولكن المشكلة عندنا في مصر أنه عندما أنشأنا الجامعات الإقليمية، ففترة الجامعة التي يستقل فيها الفرد عن أسرته ويبدأ في تكوين فكرة جديدة عن العالم الذي كان يعيش فيه فهذا لم يعد متاحا؛ لأنه يذهب إلى الجامعة ويعود إلى نفس الأسرة بنفس أفكارها، وهذا أحد أسباب التطرف عند كثير من طلاب الجامعات لأنه يعيد تجديد القيم الأسرية.
ومن يسافر للخارج يواجه مجتمعا جديدا المعيار الأول فيه للكفاءة والفاعلية والقدرة على الإنتاج، فلا يكون أمامه سوى إثبات وجوده وإلا سيرحل، إنما في مجتمعنا يمكن أن يصبح الشخص أستاذا كبيرا دون أن يكون منتجا، وهذا يبين لنا الفرق بين المجتمعات الجادة والمجتمعات التي يكون فيها "كل الناس بتمثل على كل الناس".
- بالعودة إلى التعليم الأساسي.. فمن المعلم الذي أثر في أنور مغيث وما اللغة التي تفوقت فيها؟
أكثر الأساتذة الذين تعلقوا بى وبالتالي تعلقت بهم، هم أساتذة اللغة العربية، لأنى كنت "شاطر" جدا في النحو وكانوا يطلقون عليَّ في مدرسة بنى سويف الإعدادية «سيبويه» لأنه لم يقف أمامى أي سؤال في النحو، ولا أعرف السبب في الكمياء التي ربطت بينى وبين النحو ربما لأن والدى كان مدرس لغة عربية، وكان اهتمامى بها ليس بالدوام على المذاكرة ولكن في القراءة العامة من قصص وروايات وكتب تاريخيه، وفى النهاية كنت المفضل لدى أساتذة اللغة العربية.
- ألم يعترض والدك على دراسة الفلسفة والتخصص فيها؟
لم يتدخل في اختياراتى من البداية، فلم يذاكر لى شيئا لدرجة أنه في بعض الأحيان لأن إخوتى كثر كان ينسى في أي مرحلة دراسية أنا، ولكن عندما كنت اقرأ أمامه من الجرائد أو أردد قصيدة بصوت عال وأخطئ في إحدى الكلمات، كان يعنفنى بصوت عال ويصحح الخطأ ولا يطمئن إلا بعد أن أنطقها بالشكل الصحيح، وهذا كان أسلوبه في العقاب.
ولكن لم أكن أرغب في الدخول إلى قسم الفلسفة من البداية، وهذا لأن والدى كان مدرسا وتعب كثيرا في حياته المهنية لأنه كان يذهب من المنوفية إلى الواحات ثم إلى أسيوط ويستقل منها جملا حتى يصل إلى المدرسة، وهنا قررت أن أبعد عن فكرة التدريس لأنها مرهقة ودخلت قسم لغات شرقية، وبعد عدة أشهر فُتح قسم اللغة اليابانية وكانت أول دفعة لأحسن 30 مجموعا في الكلية، فقدمت فيه ودخلت القسم اليابانى، وهذا كان في السبعينيات وكنت اهتم بالسياسة ومجلات الحائط والتظاهرات وأدى ذلك لانشغالى عن دراسة اللغة اليابانية وأى قسم آخر أستطيع أن أحصل على كتبه وأذاكرها هذا القسم صعب، وهنا حولت من قسم اليابانى إلى الفلسفة بسبب اهتمامى بالنشاط السياسي.
- إذن.. هل الفلسفة هي من أثرت في حياة المترجم أم العكس؟
الفلسفة هي من أثرت فيَّ وصنعت من أنور مغيث مترجما؛ لأن فكرة الترجمة لم تبادر ذهني، ولكن عندما عدت من باريس، وجدت فقرا كبيرا في ترجمة الكتب الفلسفية وعلم الاجتماع وعلم النفس من اللغة الفرنسية، على الرغم من أنه في النصف الأول من القرن العشرين كانت أغلب الترجمات في العلوم الإنسانية عنها، وكان لدينا مفكرون كبار كطه حسين، إنما في الستينيات زاد الميل للتعليم في إنجلترا وقل مترجمو الفرنسية، وشجعني على الانخراط في الترجمة الدكتور جابر عصفور عندما أسس المشروع القومى للترجمة، وقال لي «أنت تشوف إيه الكتب المهمة الموجودة في فرنسا، وصنعت جدلا فكريا كبيرا وتنقلها إلى العربية» وهذا ما حمسنى للترجمة إلى جانب تدريسي للفلسفة.
- من أكثر الفلاسفة الذين أثروا في حياة الدكتور أنور مغيث؟
التأثير يختلف وفقا لتطور الفرد الفكرى والعمرى والذي يختلف معه تقديراته للفلاسفة، فأول الفلاسفة الذين أثروا في كان كارل ماركس، لنزوعه للعدل وإدانته للظلم الاجتماعى، وعندما نضجت فكريا اكتشفت أن هناك فلاسفة كنت أنظر لهم بشكل غير عادل فهم ينتقدون ظواهر أخرى غير الظلم الاجتماعى كالأحكام المسبقة والوجود، كسارتر الذي كان يقول إن كارل ماركس يهتم بالإنسان بمجرد أن يجد عملا فنطلق عليه صفة "عامل أو موظف أو رجل أعمال"، وبالنسبة للفترة التي قضاها قبل أن يجد عملا من يهتم به، فيهتم سارتر بفترة الطفولة أكثر من فترة النضج لأنها تحدد شخصية الإنسان، ثم وجدت نفسي أميل إلى فلاسفة يتميزون بخفة الدم مثل فولتير وشوبنهاور وبرتراند راسل، وهؤلاء فلاسفة لديهم أفكار عميقة ولكنهم استخدموا السخرية في طرحها على الناس، فيظهر النص الفلسفي بسيطا ويحمل العمق في الوقت نفسه.
- أخيرا.. كلمة يوجهها الدكتور أنور مغيث لمن يرى أن دراسة الفلسفة حرام؟
هذه مشكلتنا الأساسية، فنحن للأسف ننظر تحت أقدامنا ولا نتعلم من الثقافات المحيطة بنا، أولا الفلسفة هي إنتاج يونانى في مدينة أثينا، ولكن عندما ترجم الفلاسفة العرب أعمال الفلاسفة اليونان وعلقوا عليها وشرحوها، جعلوا من الفلسفة مجالا فكريا عالميا وهم من نقلوها للعالم، وحاليًا في جميع دول العالم كالصين والبرازيل وجنوب أفريقيا وأنجولا، نجد أن الفلسفة مادة أساسية تدرس بكل المراحل التعليمة، أيضا كل علم هناك ضرورة تفرضه فصباغة الملابس تحتاج إلى دراسة الكيمياء، فأهمية الفلسفة ليس حل الأسئلة الكبرى في الوجود ولكن قدرة الإنسان على أن يكوِّن رأيا خاصًا به ويدافع عنه بحجج عقلية، وإذا حرمنا أنفسنا منها سنتخلف، فالفلسفة تعلم الإنسان النضج كما قال الفيلسوف الألمانى إيمانويل كانط "الفلسفة تعلم الإنسان الوصول إلى سن الرشد».
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"