رئيس التحرير
عصام كامل

حكايات من جبل «المخدرات والإرهاب» في الصعيد.. «فيتو» تجولت في طرقاته وتابعت حركة المهربين وتجار المخدرات والعناصر الإرهابية.. سيارات الدفع الرباعي شرط الدخول لـ«مجاهل الجبل

فيتو

ما الذي يحتاجه الصعيد؟.. سؤال عريض، الإجابة عنه من الممكن أن تطول جدا، ووجهات النظر ستكون كثيرة، فهناك من سيتحدث عن التنمية، ويؤكد أنها الحل السحري الذي ينهى عصورا من التهميش والفقر في الجنوب، وهناك من سيذهب إلى ما هو أبعد من التنمية ليؤكد أن "الصعايدة" لا يحتاجون شيئا سوى الأمن، وقتها، وبعد توفره سيعملون بكل ما يمتلكون من قوة على تنمية مجتمعهم بأنفسهم دون الاستعانة بأحد، حكومة أو نظام، غير أن رأى التنمية وحيدا لا يستقيم، والأخذ بفكرة توفير الأمن فقط لن يكون الطريق الممهد لـ"إنقاذ الصعيد"، فالأزمة هناك كبيرة، تحتاج ما هو أكبر من التنمية، أفضل من الأمن، الأزمة أن البعض يتعامل مع الجنوب وكأنه "كمالة عدد"، محافظات موجودة على الخريطة، و"ناس" محسوبون على جمهورية مصر العربية، ولا مانع من إعطائهم "هبات" في هيئة منح، لكن أن تكون هناك يد تدفع للأمام، فحتى سنوات قليلة لم تفعل اليد تلك سوى أن تأخذ وتشير بأصابع الاتهام، ولا شيء آخر.


الجريمة.. الضلع الثانى في مثلث "أزمات الصعيد"، وتأتى في صدارة الأضلع المقسمة بين "الفقر والجهل"، فالمتابع لما يحدث على أرض غالبية المحافظات، يدرك – من النظرة المتأنية- أن الأمور بالفعل في لحظة ما تخرج عن السيطرة، وأن من يمسك بـ"السلاح" هو الذي يحكم.

السنوات الأخيرة، شهدت ما يمكن وصفه بـ"اتحاد الجريمة والإرهاب"، وتحول السلاح من أداة لـ"أخذ الثأر"، إلى وسيلة لـ"اغتيال الجميع"، فالرصاصات الغادرة بدأت تطارد أفراد وعناصر الأجهزة الأمنية، التي أخذت على عاتقها تنفيذ مخطط "التطهير". 

جبل الكرنك.. المعروف بـ"جبل الحلال القناوى"، واحد من الأماكن التي التفتت إليها في الأشهر الماضية الأجهزة الأمنية، وبدأت تضع سيناريوهات لتطهيره من العناصر الإجرامية والتنظيمات المتطرفة التي اتخذت من "مدقاته" طريقًا آمنا للهروب، واللجوء في كهوفه الممتدة.

على حدود مركز أبوتشت يقع جبل الكرنك، حيث المدقات والملفات والكهوف الجبلية التي ترتفع عن الأرض بنحو 60 مترا، وهذا الجبل يأوي العديد من الإرهابيين والمطاريد والخارجين عن القانون.

الرحلة إلى "جبل الكرنك"، أقل وصف لها أنها "خطرة ومرهقة" في الوقت ذاته، حيث انطلقت السيارة في تمام الساعة السادسة صباحًا من مدينة قنا متجهة إلى مركز أبوتشت الذي يبعد عن مدينة قنا نحو 85 كيلومترا ومنها إلى قرية عزبة البوصة، التي غادرنا فيها السيارة، وانتقلنا إلى أخرى مهمتها إيصالنا حتى طرق مدخل جبل الحلال القناوي، الذي يبعد عن المدينة نحو 60 كيلومترا.

في مدخل جبل الكرنك، هناك قريتان تابعتان لمركز أبوتشت تطلان على الجبل، هما الكرنك والقارة، ويوجد بالجبل ما يقرب من 50 ملفا كل واحد منها يؤدي إلى طريق، وعلي جانبي الطريق نجد المزارع التي يمتلكها بعض الهاربين من أحكام قضائية، وتم القبض على عدد منهم أثناء الحملات الأمنية الأخيرة، وبعضهم لا يزال حرا طليقا بالإضافة إلى أن الجبل يأوي الإرهابيين والخارجين عن القانون.

منطقة "أم الطبول"
في الطريق.. تتناهى إلى مسامعك أصوات "طبول"، وهو ما أرجعه مرافقنا في الرحلة إلى أننا نمر الآن بمنطقة يطلق عليها "أم الطبول"، وهى عبارة عن منطقة جبلية وعرة، قال عنها على محمد الطيب، السائق الذي اصطحبنا في الرحلة: هذا الصوت يسمع بوضوح أكثر ليلًا، وتشعر عند المرور من أمام تلك المنطقة بأنه يوجد حفل بحضن الجبل، وهناك من يخشي المرور من جوار تلك المنطقة، بسبب الخوف من أن يكون هناك عفاريت أو جان أو مارد يسكن هذه المنطقة، إلا أننا بمرور الوقت علمنا أن هذه المنطقة يوجد بها العديد من الفتحات، ومع شدة الرياح تصطدم بها فتخرج هذا الصوت الذي يشبه صوت الطبول العالية، وأضاف: هذه المنطقة لم يدخلها أحد وقليل من دخلها وخرج منها، فالبعض يقول إن المنطقة بالداخل تشبه المتاهة، والجميع يخشى السير ليلًا ناحيتها، إلا أننا تعودنا السير بها.

عروس الجبل المدفونة
بعد التعمق داخل حضن الجبل تجد علامات موجودة على بعض الأحجار تشير إلى أن هذه المنطقة يوجد بها آثار، وهذه الإشارات يضعها بعض منقبى الآثار بمنطقة الجبل بمعاونة بعض مقتفى الأثر، وغالبًا ما يتم تقديم قرابين للتنقيب في المنطقة.

من جهته قال أحمد سيد راضي، أحد أبناء أبوتشت: عدد كبير من الذين كانوا ينقبون عن الآثار وجدوا ضالتهم، والجميع هنا يبحث عن عروس الجبل المدفونة كما يطلقون عليها، خاصة أن أبوتشت كان يطلق عليها في العهد الروماني "الطريق إلى الذهب" وهو ما يعني أن الجبل مملوء بالخيرات.

على أبو الدهب، أحد أبناء أبوتشت، بدوره قال: عندما تقرر البحث عن العروس الفرعوني، يجب عليك أن تصطحب مقتفي الأثر وشيخا والبخور المغربي والزئبق الأحمر، وغيرها من أدوات الحفر للبحث بالمنطقة التي يحددها مقتفو الأثر، وبعد الانتهاء من البحث والعثور على المطلوب واستخراجه بعد إذن الحارس الموجود تحت الأرض على الكنز ورؤيته بالعين، يتم دفع المبلغ المالي الذي تم الاتفاق عليه، وهناك من يتفق على اقتسام الكنز المدفون، لتبدأ بعدها رحلة بيعه وهي قصيرة جدًا، فتجار الآثار معروفون في المنطقة.

جبل النور
في ناحية أحد الملفات المؤدية إلى طريق أسوان الأقصر يوجد منطقة جبلية مرتفعة يطلق عليها اسم جبل النور، وللوهلة الأولى تعتقد أن السيدة العذراء مريم، زارت المنطقة في رحلة العائلة المقدسة، إلا أن الاستماع للحكايات المتناثرة يكشف عكس ذلك، فعند سؤالنا عن تسمية هذه المنطقة بهذا الاسم قال منصور محمد: الجبل في فترات متقطعة تظهر منه أشعة نور مختلفة، وكنا نظن أنه يوجد به إشارات نور من مهربي المخدرات أثناء عمليات التهريب، إلا أن هذا لم يكن صحيحًا، والبعض ذكر أن الجبل تسكنه الأشباح وهم مصدر النور، وهو ما جعل المارة من هذا الطريق يطلقون عليه جبل النور، وأكد أنه شاهد هذه المنطقة مضاءة بشكل غريب، مشيرا إلى أن طبيعة لون الجبل هنا رمادية عكس بقية المناطق الموجودة في الجبل صفراء، حتى لا يقول البعض إن هذا الشعاع طبيعي نتيجة اللون الأصفر.

على الجانب الآخر، قال محيي عبد الله: المنطقة يوجد بها الكثير من الآثار، ولذا يسميها الكثيرون منطقة النور، حيث تشع الأنوار في كل اتجاه عند استخراج مناجم الذهب أو الآثار الفرعونية.

"حرامية قضبان الوادى الجديد"
في منتصف طريق الجبل، تقع محطة سكك حديد الوادي التي تم إنشاؤها في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، بتكلفة بلغت آنذاك نحو 7 مليارات و8 ملايين جنيه، إلا أنه تم نهبها وسرقتها وتقطيع الحديد الموجود بها لصالح أحد رجال الأعمال في العهد السابق، وتحولت السكة إلى قطع متناثرة، رغم أن هذا الخط كان سيسهم في نقل البضائع واستخراج الكثير من كنوز الجبل الموجودة فيه، ومنها الكوارتز الذي يتم تصنيع الزجاج منه، وكان سيعيد الحياة إلى المنطقة الجبلية، خاصة أنه بمحازاة السكك الحديدية هناك عدد من المزارع يمتلكها بعض المواطنين من أهالي سوهاج وقنا.

في ذات السياق، قال على أبو رجيلة، صاحب مزرعة في المنطقة: في أيام الانفلات الأمني، وقت ثورة 25 يناير تم نهب وسرقة السكة الحديد التي تمتد إلى نحو 20 كيلومترا داخل الجبل، والذي كان يسمي "أبوطرطور" وأكمل: في المنطقة يوجد خط كهرباء أبوطرطور أيضًا وهو الأمر الذي يعد أزمة حقيقية حيال سيطرة الإرهابيين عليه، ولهذا يجب أن يتم تعمير الجبل لصالح أهالي مركز أبوتشت وتقنين أوضاع الناس الموجودة بتلك المنطقة الجبلية، مع الأخذ في الاعتبار أن قرية الخارجة تقابلها في هذا الطريق ناحية قنا قرية الكرنك التابعة لمركز أبوتشت، وأكد أنه منذ مايقرب من 15 عامًا كانت توجد نقطة حرس حدود في المنطقة "الهجانة" عند قرية بلاد المال، إلا أنه تم رفعها من الخدمة دون إبداء الأسباب، رغم أن أفرادها كانوا يداومون على تمشيط المنطقة بالجمال، ويعرفون طبيعة الجبل كثيرًا، ويوجد حاليًا كمين أبوتشت الصحراوي الذي تردد أنه كان مستهدفا من قبل الإرهابيين قبيل وقوع حادث الجبل، واستشهاد الضابط أحمد عبدالفتاح جمعة.

مراكز تدريب الإرهابيين
نظرًا لطبيعة هذا الجبل الذي يوجد به العديد من الكهوف والملفات الجبلية كانت توجد معسكرات ومراكز تدريب للإرهابيين في حضن الجبل على بعد 50 كيلومترا، والدخول إلى هذه المنطقة يستلزم أن يكون بحوزتك سلاح وسيارة دفع رباعي حتى تتمكن من الوصول إلى نقطة معسكرات الإرهابيين.

وعلمت "فيتو" من مصادرها أن سيارات الأمن "غرست في الرمال"، بسبب عدم معرفتها طبيعة تلك المنطقة الجبلية الوعرة، ونعومة الرمال التي تجعلك تشعر بأنك في الربع الخالي، حيث تسحبك الرمال لتنزلق بك إلى القاع، وهو الأمر الذي يستلزم كما ذكرنا أن يكون الدخول بسيارات مجهزة، والأفضل استخدام الطيران في تلك المنطقة لرؤية وتتبع الجبل، كما تنتشر في المنطقة الجبلية مغارات تشبه الأنفاق يسير بها سرب سيارات من 10 إلى 15 سيارة تقريبًا لتهريب السلاح والمخدرات والإرهابيين وقطاع الطرق، وكل مغارة من هذه المغارات تدخل منها تخرج منها على طريق يؤدي بك إلى محافظة الوادي الجديد، وهناك بعضها يؤدي للهروب إلى حدود مصر مع السودان.

جبل الأصيل
على مقربة من تلك المنطقة يوجد جبل الأصيل، الذي لا يعرف أحد سبب تسميته بهذا الاسم حتى سكان المنطقة، إلا أن هذه المنطقة من أخطر مناطق الجبل حيث تحوي 7 ملفات كل منها يؤدي إلى طريق مختلف، وهو الأمر الذي يصعب معه ملاحقة أو تتبع أي شخص.

من جانبه أكد على صلاح، أن المنطقة تضم عددا من المناطق الخطرة والوعرة، والتي لايعرف طبيعتها سوي قفائي الأثر أو قاطني الجبل الذين حفظوا الطبيعة هناك، مشيرا إلى أنه يوجد في تلك المنطقة وادي الغزلان أيضًا، حيث يوجد العشرات من الغزلان التي تخرج مع بداية فصل الشتاء في هذه المنطقة، وجميع سكان الجبل يخرجون لصيدها.

على توغان.. أول مقتفي أثر في جبل الكرنك 
يعتبر على توغان، مقتفى الأثر الأول لـ"جبل الكرنك"، بمنطقة نجع سفر التابع لقرية العركي بمركز فرشوط، وهو الذي كان يستخدم كدليل للحكومة المصرية عندما حاولت إنشاء طريق في منتصف الجبل، وتلاه بعد ذلك عدد من مقتفى الأثر الذين تعلموا المهنة وحفظوا أسرارها.

"ن.م" واحد من مقتفى الأثر في المنطقة، أكد أنه توارث المهنة عن الأجداد، مشيرا إلى أنه يجمع الطريق عن طريق النجم يعرف السير بالاتجاه شمالًا أو جنوبًا، وتتبع آثار الأقدام والخفاف والحوافر، إلى جانب درايته الكاملة بطبيعة كل جبل وطريقه والدروب الموجودة به.

وأكد أن هذا العلم لايوجد إلا في البلدان العربية فقط بسبب الطبيعة الجبلية، ووقوع الكثير منها في الصحراء والوديان الجافة، ويجب أن يتوافر عدد من الشروط في مقتفى الأثر، منها الذكاء والفراسة والدهاء وقوة الإبصار والشجاعة وغيرها من الصفات الكثيرة الأخرى حتى يستطيع أن يتكيف مع طبيعة كل جبل أثناء السير فيه.

 تصنيع المواد المخدرة
في طريقنا إلى الجبل قابلتنا العديد من المصانع منها مصانع لصناعة العسل الأسود التي لا توجد أية رقابة عليها، لبعد المسافة وخوف الرقابة من الاقتراب من هذه المنطقة الجبلية، وذكر البعض أن هناك بعض مصانع لصناعة المواد المخدرة "برشام" خاصة في المنطقة الجبلية المرتفعة، والتي تكون بعيدة عن أنظار المارة أو أجهزة الأمن، ولايستطيع أحد أن يصل إلى هذه المناطق إلا قطاع الطرق وتجار المخدرات والسلاح، ويوجد بها العديد من الكهوف والفتحات التي يستطيعون منها تهريب إنتاجهم إلى الأسواق وتجار الجملة ومنها إلى العملاء الصغار.

وتبعد المنطقة الصحراوية الجبلية عن المنطقة السكانية نحو 30 كيلومترا، ويبدأ بعدها الجبل في التفرع، وترتفع أسعار الأراضي الموجودة هناك حيث يصل سعر الفدان إلى 10 آلاف جنيه والبعض يذكر أن شراء الأرض في هذه المنطقة يكون بالسهم وليس بالفدان بسبب غني المنطقة بالكثير من الخيرات.

علامات الجبل
عند تعمقنا في مرتفعات جبل الحلال القناوي وجدنا بعض الأشخاص وقد رسموا أشكالا هندسية، والبعض الآخر كتب أسماء وأرقام هواتف محمولة، وهو الأمر الذي أثار استغرابنا، ليتضح بعد ذلك أن بعضها يخص المهربين وتجار المخدرات، والبعض الآخر تستخدمه العناصر الإرهابية في تحديد الطريق ليتمكنوا من التفرقة بين الدروب الجبلية المتشابهة.. وعلي مقربة من أحد مرتفعات الجبل وجدنا فتحة في الجبل والرمال خارجها، وبجوارها إحدي العلامات، وهذه المنطقة اتضح أنها لأحد منقبي الآثار، ومن العلامات الموجودة تبين أنها منطقة تنقيب حديثة لوجود بعض علامات لسيارات دفع رباعي.

مناطق هروب الإرهابيين إلى الوادي
بعد الدخول نحو 40 كيلو مترا في الجبل تجد مفترق طرق موجود عليه بوابات حديدية، واحدة على اليمين وأخرى على اليسار، وهذه البوابات على الناحية اليسار التي يقدم منها الإرهابيون عن طريق الجبل ليغادروا ناحية اليسار إلى الصحراء الغربية، وهي تلك المنطقة التي ذكر بعض الموجودين هناك أنه خرج منها الإرهابيون الذين تم تصفيتهم خلال الأيام الماضية مستخدمين سيارات دفع رباعي، ودخول هذا الطريق صعوبة ومغامرة غير محسوبة العواقب، ويرفض الكثيرون المرور منها خوفًا من هجوم الإرهابيين أو قُطاع الطرق الذين يستوقفون أي سيارة تمر على هذا الطريق.

في هذه المنطقة توجد عدة أبراج كهرباء، ومع السير في طريق هذه الأبراج يمر الإرهابيون إلى مراكز التدريب، وهو الأمر الذي يصعب معه تتبعهم، ولذا فإن الحملات الأمنية على هذا الجبل تسلتزم ترتيبات خاصة، ولا بد من معاونة القوات المسلحة لتبدأ حرب تصفية الإرهابيين الموجودين في تلك المنطقة وقطاع الطرق وتجار السلاح والمخدرات،وذكر عدد من شهود العيان أن الحملة الأمنية الأخيرة وما تبعها من تمشيط للمنطقة بالطيران، والتواجد الأمني جعلهم يفرون من كهوفهم ويسلكون طرقا أخرى في الجبل للخروج من الوادي الضيق إلى الصحراء.

مزارع الجبل
عند الدخول إلى أول طريق الجبل بعد عبور كمين شرطة أبوتشت الصحراوي تجد على اليمين واليسار بعض المزارع مكتوب على كل واحدة منها لافتا تحمل اسم مالكها، إلا أن الكثير من تلك المزارع يمتلكها أهالي من خارج نطاق منطقة أبوتشت من محافظات أخرى وبها بعض البدو أيضًا الذين استوطنوا الأرض وعمروها، ولكن لايوجد بين العرب والأهالي أي اختلاط من ناحية النسب فهم يرفضون تزويج بناتهم من خارج قبائلهم، وكذلك الحال بالنسبة لأهالي أبوتشت.

وعند التعمق داخل المنطقة اليسري من طريق الجبل ناحية قرية العركي بمركز فرشوط، توجد بعض المزارع التي يتخللها قصور شاهقة الارتفاع تشبه الحصون أو القلاع، ويمتلكها بعض الأشخاص من خارج نطاق مركز أبوتشت، وحولها توجد زراعات لعدة أنواع من الفاكهة والخضر، لدرجة أن البعض ذكر أن هذه المزارع بها اكتفاء ذاتي ولا تحتاج الدولة في شيء.

وهناك بعض اللافتات لمسجد ومستشفي استثماري للغسيل الكلوي بالمنطقة، وهو الأمر المثير للغرابة والجدل أيضًا خاصة أن هذه المنطقة بعيدة تمامًا عن العمران، ولاتوجد كتلة سكنية تتطلب أن يكون هناك مستشفى إلا أن هناك بعض الأشخاص تبرعوا بهذا الأمر حتى يتم تعمير تلك المنطقة، وتصبح منطقة جاذبة للسكان، وتبدأ الدولة في التفكير جديًا في تعمير المنطقة لطرد العناصر الإرهابية الخطرة وقطاع الطرق منها.

"عاوزينها تبقى خضراء"
على الجانب الآخر رفع أهالي مركز أبو تشت شعار"عاوزينها تبقي خضراء"، مطالبين بأن يتم تقسيم تلك المنطقة الجبلية إلى قطع أراض، وتطرح للأهالي لتعميرها، بدلًا من تركها لقطاع الطرق والإرهابيين ليستولوا عليها.

في هذا السياق قال على محمد، موظف: تقسيم تلك الأراضي وطرحها للأهالي كمشروع قومي سيحل أزمة الجبل، خاصة بعد أن عرف الإرهابيون الطريق إليه، ولا بد من تكثيف الحملات الأمنية على هذه المنطقة خلال الفترة الحالية، مشيرا إلى أن الأهالي ساعدوا الأجهزة الأمنية مؤخرا في كشف أماكن تجمع العناصر المتطرفة الموجودة في "حضن الجبل"، موضحا أن بقية العناصر الإجرامية ليست بصعبة المنال عن قوات الأمن، لكن الأمر يحتاج فعلًا إلى تكاتف أجهزة الدولة لتطهير جبل الحلال في مركز أبوتشت كما فعلت في جبل الحلال بسيناء

تأمين أبراج الكهرباء وخطوط الغاز الطبيعي
يوجد بهذه المنطقة الجبلية العديد من أبراج الكهرباء ومحطة كهرباء أبوطرطور وخط الغاز الطبيعي، وهذه الخدمات الحيوية لايوجد عليها أي تأمين، وهو الأمر الذي يسهل معه القيام بعمليات إرهابية من تفجير لخطوط الغاز وضرب محطات وأبراج الكهرباء وسرقة الأسلاك وهو ما حدث بالفعل، ففي جانبي الطريق وبالقرب من المناطق الجبلية قام الإرهابيون وقطاع الطرق بقطع جميع الأسلاك حتى لا يتم إضاءة تلك المنطقة وتصبح مظلمة ويصعب معها الرؤية خاصة بالنسبة لقوات الأمن، فضلًا عن تسهيل عمليات تهريب السلاح والمخدرات من تلك المناطق الجبلية.

ومن أكبر المشكلات التي تواجه المارة والسائقين وحتى أصحاب المزارع أنه لا يوجد شبكة للتليفون المحمول، ففي الوهلة الأولى لدخول المنطقة الجبلية تفصل شبكات المحمول الثلاثة عن التشغيل، وعند وقوع أي حادث على هذا الطريق يقوم السائقون العائدون باصطحاب المصابين والقتلى والإبلاغ عن الحادث عند الوصول إلى أقرب نقطة شرطة، حيث إنه لا توجد في الطريق أي نقطة إسعاف أو مستشفى، ويعتمد الكثير من قاطني تلك المنطقة على الدواء الشعبي خاصة عند لدغات العقرب أو الثعبان، وكثير منهم يلجأ إلى "تحويط المكان" الموجود فيه من خلال تعاويذ وأسرار يحفظونها، في حين يلجأ آخرون إلى الكي بالنار وربط المصاب إذا وقع الأمر، خاصة أن المنطقة مملوءة بالحشرات السامة وثعبان الكبري الذي يعيش بالقرب من تكعيبات العنب، وأغلب المزارع الموجودة في تلك المنطقة بها تكعيبات العنب وأشجار الرمان والموالح بشكل عام والنخيل، وعند وجود مصاب بطلق ناري فالطريقة البدوية هي الحل، وهي إشعال النيران ووضع سكين عليها حتى تصبح كالجمرة، ويتم وضعها على المكان المصاب ويتم كيه بعد استخراج "طلقة الرصاص" منه إلا في الحالات الصعبة التي تخترق الطلقة أماكن بالأحشاء أو التي تستقر بالقلب أو الرأس.

"نقلا عن العدد الورقي"..
الجريدة الرسمية