رئيس التحرير
عصام كامل

كلنا زائلون


كثيرون هم في زمننا هذا من يقرأون، وكثيرون أيضا منهم لا يتعظون ولا يتخذون من أحوال الأمم والممالك السابقة العظة والعبرة، مع أن الله سبحانه وتعالى ضرب لنا في كتابه العزيز الكثير من أخبار وأحوال الأمم السابقة، وما كانت عليه من كفر وعناد، أو طغيان وعلو وتجبر، كل هؤلاء أتوا إلى هذه الحياة وعمروا الأرض أكثر مما عمرها أمثالنا، ومع ذلك كل هذه الأمم زالت، واندثرت "وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا"، كما أن هناك من الأمم من أراد الخلود في الأرض وسعى إليه فكانت سنة الله أن قيض لها أمما أمثالها تقتص منها ولها، وتلك سنة الله في كونه "ولن تجد لسنة الله تبديلا"، وقد شاءت حكمته في الكون أن يتصارع الخير والشر، الغني والفقير، الذكر والأنثى، كل بحسب طاقته، تنفيذا لمراده في خلقا وتدبيرا لأمره..


ومع ذلك نجد الكثيرين يغفلون هذه السنن الكونية ويتعامون عنها، ويناصبونها العداء وكأن أمثالنا مخلدون في هذه الأرض، أو كأن بعضنا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكأن بعضنا آلهة -حاشا لله- مع أننا جميعا بشر نخطئ ونصيب، فتراهم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، فهذا يحسد أخاه على بسطة الرزق له، وآخر يحسد صديقه على زوجته أو أبنائه، وثالث يتندر ويتعجب من خلق الله بل ويشيد بجمال هذا وهذه ويتأفف من خلقة هذا وهذه وكأن خالقهم سبحانه وتعالى قد أخطأ - معاذ الله- في خلقهم، مع أننا جميعا شئنا أم أبينا سائرون إلى حيث سار الأولون، بيد أنهم أحسنوا العمل ونحن لم نحسن حتى القول..

فترانا نتعجب من بعضنا البعض، ويسخر بعضنا من البعض، مع أن الله تعالى خلقنا جميعا في أحسن صورة كما شاء، وهو وحده المعطي والمانع والمعز والمذل له الأسماء الحسنى، ومع ذلك تتعالى صرخات البشر من الظلم والغدر والخيانة والقسوة والغل والحسد ولو أحسنا الظن بالله وأتقنا العمل وتركنا الخلق للخالق وأحسنا قراءة التاريخ وتدبرنا قصصه وتدبير الله لشئون خلفه لانصرف كل منا إلى شئونه وانشغل بدنياه وآخرته عن دنيا غيره، ولأيقنا جميعا أن أقصى ما يفعله البشر هو تنفيذ إرادة الله سبحانه وتعالى لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه.
الجريدة الرسمية