هل تؤثر حقوق الإنسان في الاستثمار؟
القرار الذي تناقلته وكالات الأنباء عن تعليق الولايات المتحدة لـ 290 مليون دولار من المساعدات لمصر بسبب "الفشل في تحقيق تقدم في احترام حقوق الإنسان وقيم الديمقراطية"، حسبما ما ذكر موقع وكالة رويترز، من شأنه أن يسيء إلى صورة مصر في الخارج، أتوقع في البداية أن يتم تخصيص مساحة واسعة في الصحف والبرامج لمهاجمة القرار الأمريكي والتأكيد أن مصر تشهد مظلة من حقوق الإنسان وأزهى عصور الديمقراطية.. لكن الحقيقة أن القرار الأمريكي كان نتيجة تقرير بعض منظمات حقوق الإنسان وعلى رأسها "هيومان رايتس ووتش" والتي نددت بقانون المنظمات غير الحكومية الذي صدر في يونيو الماضي واصفة إياه بـ "القمعي" في تقرير جاء عنوانه "قانون جديد سيسحق المجتمع المدني".
المشكلة أن الحكومة في مصر لا تعترف بوجود مشكلة فيما يتعلق بالحريات، وأن العالم الخارجي والكثير ممن موجودين بمصر -بمن فيهم الكثير من الصحفيين والأكاديميين– لا يرون مناخًا يقول إن مصر قامت بها ثورتان هدفتا للتغيير وبشكل خاص لتحقيق الديمقراطية وإلغاء القوانين المقيدة للحريات.. الحكومة ترى أنه على الجميع أن يصمت لأن مصر في حالة حرب ضد الإرهاب، وآخرون يرون أن الشعب المصري لا تصلح له الديمقراطية من الأساس، وأن الأساس في الناس أن "تأكل وتشكر".
قضايا حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية تؤثر فى صورة مصر وما هو يؤثر بدوره فى الاستثمار.. ربما ترى الحكومة أن المستثمر سيأتي لمصر بغض النظر عن مناخ الحريات طالما قضت على معوقات الاستثمار المعروفة والتي لخصها هاني توفيق، رئيس الجمعية المصرية للاستثمار المباشر السابق، كالبيروقراطية، وصعوبة توفير الأراضي، وتعقيدات إصدار التصاريح والتراخيص، وعدم وضوح الإعفاءات الضريبية، وغياب قانون الإفلاس، بالإضافة إلى معوقات أخرى كالبنية التحتية.
لكن على المسئولين عن الحكومة في مصر أن يعرفوا أن الدول بدأت منذ فترة طويلة مشروعات "التسويق للدولة" أو Nation Branding وأن الحكومة وصانع القرار السياسي والاقتصادي في مصر كان عليهم توظيف حقيقة قيام ثورتين من أجل الحرية والديمقراطية في زيادة الاستثمار.
ويؤكد حافظ أبو سعدة، الناشط الحقوقي، ذلك فيقول في مقال سابق أن "قضية حقوق الإنسان لا تشكل عائقًا فقط في علاقات مصر الدولية، إلا أنها أحد أهم الأسباب التي منعت الاستثمارات للتدفق على مصر حتى بعد قبول مصر لشروط صندوق النقد الدولى وتعويم الجنيه المصرى"، ويضيف: "إنه رغم صلاحية المناخ للاستثمار، فإن الوضع الحقوقي مؤثر لأن الشركات ترغب في العمل في مناخ يحترم حقوق الإنسان بل تسهم في تحسين حقوق الإنسان في الدول التي تعمل فيها".
الإجابة عن سؤال هل تؤثر حقوق الإنسان فى الاستثمار تبدو معروفة لي ولكثير من الاقتصاديين والسياسيين والأكاديميين، فكلما زاد مناخ الحريات واتسع كلما تدفقت الاستثمارات، وكلما قلت مساحة الحريات وزادت الأخبار عن الملاحقات الأمنية للصحفيين وللمنظمات الأهلية كلما تخوف المستثمر.. ولعل المسئولين يعلمون أن سياسة "اضرب المربوط يخاف السايب" ستخيف المستثمرين المحتملين.. فالتعامل مع قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان من شأنه أن يخلق مناخًا جاذبًا للاستثمار أو طاردًا له.