عباس محمود العقاد يكتب: شجاعة الزعيم
في مجلة المصور عام 1944 كتب الأديب عباس محمود العقاد مقالا عن المواقف التي لا تنسى في حياته، فكتب عن الزعيم سعد زغلول يقول:
من المواقف التي لا أنساها أبدا رد الزعيم سعد زغلول على اللورد اللنبى، حين كتب إليه يمنعه أن يشتغل بالسياسة وأمره أن يغادر القاهرة دون إبطاء وأن يقيم في منزله بالريف تحت مراقبة مدير الشرطة.
وكانت الأحكام العرفية ـــ البريطانية ـــ مضروبة على البلاد، وكان اللورد اللنبى يفعل ما يشاء، ولا يخفى على سعد وأصحابه أنه طلب من حكومته أن توافقه على إعدام بعض الزعماء المصريين بتهمة العصيان.
وسعد يومئذ شيخ في السبعين قد اصطلحت عليه العلل الثقيلة، ومنها الربو وداء السكر وتصلب الشرايين، وحياته في منزله بين ذويه وخدمه تكلفه الكثير من العناية والاحتراس، فضلا عن أن الحياة في المنفى لا تيسر وسائل العلاج والراحة التي يحتاجها الشيخ المريض.
فلم تنقض ساعات على وصول الإنذار إلى الزعيم العظيم حتى كان رده عند اللورد الحاكم بأمره، وكله احتجاج وإعزاز وإصرار وقد ختمه قائلا: "سأبقى في مركزى مخلصا لواجبى وللقوة أن تفعل بنا ما تشاء أفرادا وجماعات".
قال عبد القادر حمزة وقد كان حاضرا المجلس الذي كتب رد سعد على الإنذار البريطانى "ولم يحدث بعد هذا غير أنى استوقفت الرئيس عند قوله: "وهو أمر ظالم أحتج عليه بكل قوتى.. وسألت ألا يحسن الاستغناء عن كلمة ظالم اكتفاء بالكلمات التي تليها؟ فنظر الرئيس وقال بشمم: كلا، وأيده كل الحاضرين في إبائه".
ثم كان ما لم يكن فيه شك من النفى إلى الجزر النائية، وهى سيشيل بعد أن وقع الاختيار أولا على جزيرة سيلان.
وآثر الشيخ المريض أن يقضى ختام حياته في المنفى على أن يقضى أياما أو شهورا في داره بأمر القوة الغالبة.. وللقوة أن تفعل ما تشاء.