رئيس التحرير
عصام كامل

«قهوجي السوق» عم محمد مزاجنجي شبرا الخيمة.. «تقرير مصور»

فيتو

في السادسة صباحًا يستيقظ عم محمد متجهًا إلى المقهى الصغير بالسوق، فينظف المكان ويضع إناء الماء على النار، استعدادا لطلبات الزبون الأول.

تمر ساعات اليوم بين أكواب الشاي والقهوة والوقوف على قدميه حتى الثالثة عصرًا، لتصبح مع مرور السنوات الأواني والأكواب هي رفيقة محمد جودة الأكثر إخلاصًا!


منذ عشر سنوات وهو يسكن بين جدران هذه الحجرة المتهالكة، التي استأجرها من صاحبة المقهى العجوز، التي توقفت عن العمل بسبب كبر سنها، يعبر هذا الممر الذي يحوي عشرات الباعة ومثلهم من الزبائن، عشرات المرات في اليوم ذهابًا وإيابًا، يألف وجهه كل من تدب قدميه منطقة السوق.



مرت سنوات على عم محمد وهو في هذا المكان الذي يبدو للوهلة الأولى غير آدمي، لتقف أمامه متسائلًا "كيف يقضي هذا الرجل كل هذه الساعات بين تلك الجدران المتهالكة"، لكنها "العِشرة" جعلت عينيه تألف المشاهد الثابتة حوله.



ممر ضيق بأحد الشوارع الفرعية بمنطقة شبرا الخيمة، يفترشه الباعة القادمون من مناطق شتى بالجمهورية، بالخضراوات والفاكهة، الأصوات تتداخل، استجداء الباعة للمارة على جانبي الشارع.

 هذه تجادل في ثمن كيلو طماطم وأخرى تلقي اللوم على الظروف الاقتصادية وأحوال المعيشة، بينما يمر هو وسط هذا العالم المليئ بالأحداث وتفاصيل الحياة المتشابكة.

 كشبح ممتلئ الجسد يعبر بينهم وكأنهم لا يرونه، يتبادل هو وصبيه الأدوار، فيهرعون نحو هذا البائع أو ذلك، لتقديم القهوة والشاي ليحسن البائع "مزاجه" في بداية يوم حتمًا سيكون مليئًا بالملاسنات والمشاحنات بينه وبين الباعة أو الزبائن.


عندما كان في الثانية عشرة، ولأسباب أسرية، رفض الإفصاح عنها، اتجه إلى سوق العمل ليرتمي بين أحضان هذه الحرفة وتتقاذفه الأخرى، حتى استقر به المقام في إحدى ورش دباغة الجلود بمنطقة "خان الخليلي" بالقاهرة، فقضى بها فترة الشباب حتى الكهولة.



حين بلغ الـ57 من عمره، وجد أن الجسد لم يعد باستطاعته تحمل هذه المهنة الشاقة بدنيًا ومعنويًا، قائلا: "لفيت على قهاوي مصر كلها علشان اشتغل فيها وأهي شغلانة خفيفة، لحد ما لقيت صاحبة القهوة دي العجوزة اللي بطلت الشغلانة، هي قهوة على قدها بس أحسن من مفيش".


لكن السن وحده خانه، فهزل جسده وأصبح في حاجة للمساعدة، فاستحضر عبد الله، البالغ من العمر 12 عامًا، الذي قال: "بقالي أسبوع هنا بلف على البياعين من الساعة 8 الصبح لحد الساعة الرابعة"، مؤكدًا أن فترة عمله تقتصر على الإجازات فقط، مضيفا: "يوميتي كانت 15 جنيها، لكن دلوقتي باخد 20 جنيها".
الجريدة الرسمية