رئيس التحرير
عصام كامل

العمال والحكومة.. سيب وأنا أسيب!


وسيلة ضغط معروفة ومضمونة.. التعسف في استخدام حق الإضراب عن العمل ووقف الحال، والمطالبة بحق غير مستحق.. الوسيلة مشروعة، والطلب غير مشروع، ويبدو الأمر وكأنه ( سيب وأنا أسيب ونشوف مين يستسلم الأول ! )، وحكاية إضراب عمال غزل المحلة الذي استمر 14 يوما تقريبا وانفض يعرف الجميع تفاصيله ولا حاجة لإعادة نشر هذه التفاصيل.. لكن الأمر يفرض طرح بعض الأسئلة المسكوت عنها في مثل هذه الإضرابات !


* لماذا تأخر وزيرا قطاع الأعمال والقوى العاملة عن التدخل بشكل مباشر وسريعا لفض الإضراب الذي استمر أسبوعين؟

* لماذا تعنت كل منهما وأطلق تصريحات تزيد من تعقيد الموقف وتقطع السبل على النقابة العامة للغزل لإيجاد حل لفض الإضراب بعد يوم أو يومين على الأكثر؟

* لماذا يترك الأمر للشائعات والمغرضين وتجار الأزمات ليصوروا للرأي العام أن ما يحدث في المحلة هو بداية ثورة، حيث انطلقت شرارة الإضرابات قبل يناير من هناك؟

* ما حقيقة البطيخة الصيفي التي يضعها مسئولون من الحكومة في بطونهم وهم يشاهدون أزمة قد تتسع وتتزايد ويصعب السيطرة عليها في وقت نحتاج فيه لكل دقيقة عمل، وكل منتج من مصانعنا، وكل طاقة جهد تضيف للاقتصاد والناتج القومي؟

* هل وقف رئيس الحكومة أو وزير قطاع الأعمال أو وزير القوى العاملة أمام خسائر تقدر بـــ 5 ملايين جنيه يوميا نتيجة الإضراب أي ما يعادل 70 مليون جنيه خلال فترة الإضراب، وهل حسبوا جيدا قيمة هذه الخسارة مقارنة بقيمة ما يطلبه العاملون؟

* لماذا وصف النائب مدحت الشريف وكيل اللجنة الاقتصادية بالبرلمان برنامج الحكومة بأنه لا يصلح لإدارة توك توك رغم موافقة البرلمان عليه؟

* هل توقفت الحكومة أمام اللافتات التي رفعها عمال الإضراب التي تقول (نعم لتأييد الرئيس عبد الفتاح السيسي في بناء الوطن، ويا ريس فساد شركة غزل المحلة أقوى من الإرهاب، ونعم لإقالة رئيس الشركة القابضة)؟

* كيف يتحقق بناء الوطن مع إضراب عن العمل وتعطيل الإنتاج وتحقيق خسائر بالملايين في عدة أيام؟

* هل قدر وزير قطاع الأعمال قيمة الغرامات المستحقة لعملاء الشركة نتيجة توقف الإنتاج طوال فترة الإضراب بالإضافة إلى اهتزاز سمعة الشركة وسمعة الحكومة؟

* ذكر أحد المضربين أن مطالب العمال لا تصل إلى 50 مليون جنيه، في حين وصلت الخسائر إلى أكثر من 70 مليون جنيه.. هل كان الأمر يستدعي كل هذا التوقف وهذا الجدل وهذه الصورة السلبية؟

* قال أحد نواب المحلة إن الأزمة كان من الممكن حلها مبكرًا لولا تعنت رئيس الشركة القابضة أحمد مصطفى، وعدم مرونته في التفاوض مع العمال.. هل غياب الرؤية عند رئيس الشركة القابضة وافتقاده مهارات التفاوض مع العاملين أو مع الوزير المسئول أخرت الوصول إلى حل سريع للأزمة؟

* أنهى العمال إضرابهم بعد جهود كبيرة بذلها نواب المحلة مع اللجنة النقابية للشركة نتيجة غياب الثقة المتبادلة بين قيادات الشركة والعمال الذين تلقوا العديد من الوعود التي لم تنفذ، وذلك بعد وعد بتنفيذ مطالبهم الخاصة بالعلاوة وبدل الغذاء رغم تصريح الوزير بعدم مشروعية المطالب أو أحقية العمال فيها.. كيف وهل تظل النار تحت الرماد؟

الأسئلة الحائرة في هذه القضايا والقضايا المماثلة لا تنتهي ولا يكفيها مقال أو أكثر.. لكنها تشير ببساطة إلى تخبط في الرؤية التي ربما تكون غائبة تمامًا.. إذ كيف لوزير مسئول يقول إن هذه المطالب غير مشروعة وليست من حق العاملين بالشركة ثم يقول إن الوزارة لن تنظر في مطالب العاملين بشركة غزل المحلة إلا بعد عودة الإنتاج.. هل يعني ذلك الاعتراف بحقوقهم أم تسكين للأزمة وفض الإضراب؟ إذا كان اعترافا أو تسكينا.. ففي الحالتين هو تخبط واضح في المعالجة التي تكلف الوطن الكثير!

الأمر الأهم متى يشفى هذا الوطن من عمليات الابتزاز عن طريق التعسف في استخدام الحقوق القانونية أو الدستورية بصرف النظر عن المصلحة العامة، ومتى يدرك من يستخدمون هذا الحق في غير محله أنهم يمارسون تخريبا متعمدا، في حين أنه يمكنهم تحقيق أهدافهم دون تعطيل العمل أو إيقاف الإنتاج.. ومتى يفهمون أن المشرع عندما أعطى هذه الحقوق إنما شرعها للتفاوض وليس للابتزاز أو لي الذراع أو منطق "سيب وانا أسيب"؟

إذا غابت الرؤية عند العاملين تحت ضغط الحاجة وصعوبة الحياة -حتى وإن كانت مطالبهم غير مشروعة- فإنها غابت أيضًا عند الحكومة التي لا تتحرك إلا عند خراب مالطة كما يقول المثل وتلك هي المصيبة الحقيقية!
الجريدة الرسمية