لماذا يزور سامح شكري موسكو في هذا التوقيت

العلاقات المصرية- الروسية مرت كثيرا بفترات ضعيفة وأحيانا بفترات قوية، فشكل العلاقات المصرية- الروسية من الصعب جدا أن يحددها أحد، فلو نظرنا إلى بدايات العلاقات المشتركة منذ صفقة السلاح التشيكوسلافية عام 1955 ومن بعدها الموقف السوفيتي القوي جدا والمشرف بالوقوف بجانب مصر في أزمة العدوان الثلاثي 1956، ومرورا بالدعم السوفيتي المالي والفني لبناء السد العالي، نجد أن العلاقات المصرية- السوفيتية تأزمت تماما منذ العام 1958 بسبب حل جمال عبد الناصر للأحزاب الاشتراكية في سوريا وبسبب حملة الاعتقالات للشيوعيين، حتى وصل الأمر بخروتشوف وهاجم جمال عبد الناصر شخصيا أثناء المؤتمر الحادي والعشرين للحزب الشيوعي، ووصفه بالشاب الانفعالي المندفع، وهذا إن دل يدل على أن مصر غير مستعدة نهائيا للتخلي عن سيادتها وقرارها مقابل أي مواقف أو دعم.

وهذا التسلسل القصير لبدايات العلاقات المصرية- السوفيتية لمسناه في السنوات الماضية (2013-2017) بين مصر وروسيا، فبعد الدعم الروسي الكبير لثورة يونيو 2013 وبعدها صفقات السلاح العديدة، والعديد من العقود المشتركة في المجالات الصناعية والتجارية التي أعطت لنا أملا كبيرا في استعادة العصر الذهبي للعلاقات المشتركة في ستينيات القرن الماضي، لكن مع سقوط الطائرة الروسية في 31 أكتوبر 2015 ومن بعدها توقف السياحة الروسية لمصر، جمدت العلاقات لفترة بسبب الضغط الروسي على القيادة المصرية مستغلة هذا الحادث الأليم، وضربت القيادة المصرية مثلا آخرا على أن مصر ليست مستعدة نهائيا للتخلي عن سيادتها مقابل أي مواقف أو دعم.

وهناك بعض النقاط التي تلخص حالة العلاقات المصرية- الروسية (2013-2017):
1- عودة قوة العلاقات بين القاهرة وموسكو كانت بعد تدهور العلاقات المصرية- الأمريكية بعد ثورة يونيو 2013، وهذه العودة كانت في شكل زيارات متبادلة عديدة، استتبعت بعقود توريد سلاح، عقود تجارية- صناعية واتفاق بناء أول مفاعل نووي مصري.

2- إسقاط الطائرة الروسية على أراضي سيناء في 31 أكتوبر 2015، كان هو السبب الرئيسي لتأزم العلاقات المشتركة، وبرغم أنها كانت فرصة كبيرة للانتقام المشترك من فاعل هذه الجريمة، إلا أننا وجدنا ارتياحا روسيا كبيرا لمسألة منع السياحة الروسية لمصر، التي منعت خروج مليارات من الدولارات من الخزينة الروسية التي كانت تمر بأزمة ما زالت مستمرة بسبب انخفاض أسعار النفط وبسبب العقوبات الاقتصادية الغربية، وحتى الآن لا نعلم من قام بهذا الحادث الإرهابي.

3- عودة العلاقات القوية المصرية- الأمريكية بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وبعد أن كنا نرى مناورات عسكرية مصرية- روسية أصبحنا نرى مناورات عسكرية بين مصر والولايات المتحدة في البحر الأحمر "تحية النسر 2017" وبعد ذلك عودة مناورات النجم الساطع جعلت روسيا تفهم جيدا أن مصر لا يمكن لأحد أن يتحكم في قراراتها، وأنها ستخسر الكثير في الشرق الأوسط إذا خسرت مصر.

4- عملية استضافة مصر للأطياف السياسية السورية ونجاحها لمرتين في فرض اتفاق وقف إطلاق النار في الغوطة وحمص أكدت على قوة الوجود المصري في سوريا برغم أن مصر لم تدفع دولارا واحدا لأي طرف في سوريا وبرغم أن مصر ليس لها وجود عسكري في سوريا.

5- أي حل في ليبيا لا يمكن أن يكون بعيدا عن مصر، بسبب الدور الكبير لمصر سياسيا وعسكريا في الأزمة الليبية، لذلك نجد حالة التراجع التي شاهدناها في الموقف الإيطالي مع مصر بسبب أزمة مقتل ريجيني، ولذلك نجد أيضا حالة التقارب الروسي مع مصر، خصوصا أن المشير حفتر كان منذ أيام في موسكو.

العودة الروسية لمصر بدأت في مايو 2017 من خلال محادثات 2+2، لكن هذه العودة متحفظة بشكل كبير وستكون في نطاق التفاهمات المشتركة للقضايا الشرق أوسطية، وزيارة وزير الخارجية المصرية لموسكو لن تخرج عن النقاط التالية:

1- سيناقش سامح شكري مع نظيره الروسي الأزمة العربية- القطرية، فروسيا لديها اهتمام كبير بهذه الأزمة نظرا للتعاون الاقتصادي الكبير بينها وبين دولة قطر، وأيضا بسبب عدم رغبة روسيا لتقوية الموقف العسكري التركي في منطقة الخليج.

2- الأزمة الليبية ستكون من أهم محاور النقاش بين شكري ولافروف، فروسيا تهتم بشكل كبير بما يحدث في الداخل الليبي، وهذا نراه بشكل واضح في زيارات المشير حفتر لموسكو، ونراه في الرغبة الروسية لإقامة قاعدة عسكرية في ليبيا.

3- الأزمة اليمنية ودخولها لمراحل تهدد الأمن القومي العربي بسبب الوجود الإيراني في منطقة باب المندب ستكون أيضا حاضرة في المفاوضات المشتركة، لا ننسى أن هناك رغبة روسية أيضا بإقامة قاعدة عسكرية بحرية على الشواطئ اليمنية.

4- محاولات بسط اتفاقيات وقف إطلاق النار في عموم الأراضي السورية ستكون هدفا في هذه المفاوضات، فعملية إعادة إعمار سوريا التي تستحوذ عليها الشركات الروسية في حاجة لوقف إطلاق النار في سوريا، ومصر لها الدور الفعال في هذا الشأن.

5- سيتناقش الوزيران حول مسألة سرعة تنفيذ بناء محطة الضبعة النووية، خصوصا بعد تدشين قاعدة محمد نجيب العسكرية التي ستزيد بشكل كبير من عوامل أمان الساحل الشمالي- الغربي لمصر.

وأستبعد تماما مسألة مناقشة وزير الخارجية المصرية لعودة الرحلات الجوية مع نظيره الروسي، وهذا هو المأمول.