نحن الشعب.. فمن أنتم؟
أيا ما كنت سيساوي، فلول، ثوري، محافظ، متحرر، مؤمن، أو فاسق غني، أو فقير سلفي، أو مسيحي صعيدي، أو بحيري، فأنتم الأمة المصرية، وينص الدستور على أن الكل سواسية كأسنان المشط، هم أصحاب حقوق وعليهم واجبات، ربما يبدون في الظاهر مختلفين ومتنازعين بل متباغضين يتبادلون الكراهية والشماتة والتوبيخ، ولكن هذا هو الظاهر فقط، وهو عارض وسيزول وكل المعارك الوهمية سواء باسم الدين أو الوطن أو بأي اسم آخر هو منتج لصناعة الكراهية وبيزنس يتعيش منه سياسيون ورجال دين وآخرون..
ذلك أن هناك لغة تتنامى تقلل وربما تحط من قدر الشعب وتصل إلى حد المعايرة بالأمان والغذاء، وأن هذا الشعب غير مهيأ للديمقراطية عكس شعوب الغرب ويتطوع البعض في الصحافة الصفراء والبرامج الهزلية بتوصيف الشعب بأن أخلاقه تدنت في المكائد والثأر وحب الانتقام والتنكيل حين الاستطاعة، والتشهير والتخوين والتربص وسوء الظن والشكوى وتبرئة الذات ونسيان الفضل وإنكار الجميل وأفران العشرة وسرعة الانتقال من الصداقة للعداوة والتبدل من الحب للكره، وينسى هؤلاء أن هذا الشعب لا يمنع مثلا في الحكم بل لا يتنافسون على السلطة ولا على مغانمها فقط يريدون العيش بحرية وكرامة وعدالة ومساواة ومعركة تلك الأمة هي الحياة الكريمة والشعب ليس جزءًا من معارك كواليس السلطة..
ببساطة معركة تلك الأمة هي العيش في بلدهم مكرمين معززين وليس كما يحدث الآن، وهي قاعدة مصرية للمواطن من المهد للحد عبر رحلة حياة يفقد الناس كل ما يملكون وتنتزع منهم الأيام كل ما أعطاه الاسم ربما لا وجود حتى بالقبر والكفن.. المهم أن الشعب طوال الوقت يدفع الثمن، ثمن سوء إدارة الاقتصاد، راضيين، ولا يعلو صوتهم على صوت المعركة سواء كانت عسكرية أو إرهابية..
ينهار الجنيه بقرار ويفقد الناس ٤٠٪ في لحظة وهم صابرون، ويفاجئون بقرارات خطيرة بدون أن يتم شرحها وملابساتها، ويطلب منهم التفويض فيهرعون للشوارع وفي الانتخابات ينزلون يؤكدون التفويض مرة ثانية وثالثة ولولا نزولهم في ٣٠ يونيو لاستمر الحكم الفاشي حتى الآن، والشعب هو صاحب الفضل الأول في شرعية السلطة، والشعب أيضًا هو الذي منح نظام يونيو٦٧ شرعية البقاء لتحرير الأرض، وعندما أخطأت الحكومات المتعددة في تراكم الديون والدعم لم يدفع فاتورة تلك الأخطاء إلا الشعب، ولم يتذمر الناس من الكذب الدستوري عن مجانية التعليم والتدهور المستشفيات وانهيار منظومة الصحة، بل إن الطبقة المتوسطة هي الآن تعلم أولادها وتعالج نفسها على نفقتها، وهم في نفس الوقت يدفعون أعلى الشرائح الضريبية، وسط خيبات للأمل وفشل الرهانات الكبرى على الوعود نحو مستقبل أفضل، بل تعمد تهميش للناس في المشاركة في صناعة مستقبلهم لأن القرارات الحكومية لا تخضع في هذا البلد للنقاش العام.. فقط هناك رؤية واحدة وفرقة للتطبيل والنَّاس تراقب كل ذلك في البداية بصمت وبصبر ثم بسخرية ثم بتراجع؛ لأنهم اكتشفوا أنه لا أحد يحترم تضحياتهم، بل ذهب البعض لترجمة الصمت على أنه رضا واستفتاء بالموافقة..
ولا يدركون أن المصريين هم كلمة السر لأي إنجاز في هذا البلد، وليس أي أحد آخر مهما كانت عبقريته وإخلاصه وإن الجميع مدين لتضحيات الناس الذين يقدمون أبناءهم وأزواجهم من جنود ثمنا للدفاع عن شرف الأمة، وإنهم طوال سنوات حكم الثورات كانوا صابرين أملا في غد أفضل يأتي ولكنه لا يأتي..
وإذا كان صحيحًا أن الناس قدمت كل ما لديها من مدخرات وشهداء وصبر ودفع فواتير لم تشتر بها شيئا، فإن الآخرين لم يقدموا حتى ما يستطيعونه، بل محاولات لتغييب المدارس الفكرية والحزبية، وتأميم الحياة السياسية ومدارس تصنيع السياسيين كالاتحادات الطلابية والانتخابات المحلية، وعدم بذل أي مجهود في بناء دولة القانون، وإذا اعتبرت السلطة أن الشعب غير مهيأ للديمقراطية فذلك يعني أنها أيضًا غير مهيأة للحكم، فقط يريد الناس وهذا حقهم أن يقدم الآخرون كشف حساب على ما أنجزوه وعلى ما لم ينجزوه بعدما وعدوا الناس به، وتلك هي البداية لترتفع مقولة نحن الشعب.