«هوليوود المغرب» أفلام عالمية تستغل الأطفال باسم الفن
لا تبخل مدينة ورزازات، جنوب المغرب، على صناع السينما العالمية فتمنحهم الطبيعة الساحرة وأشعة الشمس ومسارح أثرية واستوديوهات مجهزة بأحدث المعدات السينمائية بأجور زهيدة.. ولكن هوليود شمال أفريقيا لا تتوقف في عطائها عند هذا الحد بل تقدم لهم أكثر من ذلك تمنحهم أطفالها بأجور هزيلة، لاسيما أنها المدينة التي تصور فيها أفلام بإنتاج ضخم تعالج قصصا تاريخية وإنسانية تترجم معاناة وآمال الإنسان.. لكن يجسد أدوارها أطفال يشتغلون في ظروف لا إنسانية، يتعرضون إلى الاستغلال بشتى أنواعه من لدن سماسرة الأفلام.
إن مشاهد بؤس أطفال السينما بمدينة ورزازات بالرغم من قيمة الأدوار التي شاركوا فيها تدفع إلى التساؤل عن كيفية تحول الفن السابع إلى وسيلة لاستعبادهم؟ وكيف أصبح الوسطاء وسماسرة الفيلم يستغلون الأطفال ويجردونهم من كرامتهم مقابل لقمة العيش؟
خاصة أن أغلب الأطفال الذين قابلناهم في قصبة تاوريرت المعروفة بعمل سكانها في السينما هم أبناء لأمهات عازبات دفعهن الفقر والتهميش الذي تعاني منه المدينة إلى تشغيل أطفالهن ككومبارس في أفلام عالمية.. يتكبدون الاستغلال ويلتزمون الصمت خوفًا من فقدان مورد رزقهم الوحيد، العمل في السينما، ورغم حجم معاناة الأطفال الكبير لايزال الصمت يلف قضية استغلال الأطفال في هوليوود شمال أفريقيا.
ضحية السينما
وتقول فاطمة الزهراء الحسني طفلة مكنتها ملامحها المعبرة من المشاركة في أفلام محلية وأجنبية بأدوار مهمة لكنها لم تسلم من استغلال سماسرة السينما العالمية، أشعر بالحزن عندما أسمع صراخ والدتي وأرى دموعها بعد كل فيلم سينمائي أخذ مقابل مشاركتي فيه أجرا أقل"، هكذا تعبر فاطمة الزهراء البالغة الثانية عشرة من العمر عن استيائها من استغلالها من طرف سماسرة الأفلام السينمائية العالمية.
في قصبة تاوريرت الهادئة بمدينة ورزازات وفي منزل ايل لسقوط أشبه بكهف ينتمي إلى حقبة العصر الحجري لا يتوفر على أبسط سبل العيش الكريم، تعيش فاطمة الزهراء.. طفلة تعلمت التمثيل قبل تعلمها المشي خلال أدائها لدور في فيلم أجنبي وهي لم تكمل عامها الأول، لا تتذكر اسم الفيلم كما هو حال كومبارس مدينة ورزازات فهم يشتغلون في الأفلام ويجهلون أسماءها ولا يشاهدونها، فهوليوود أفريقيا مدينة بلا قاعة سينمائية.
تحكي فاطمة الزهراء عن استغراب السياح الأجانب من وضعها الاجتماعي فلا أحد يتخيل أن تلك الطفلة التي شاركت في أفلام عالمية مثل: Game of Thrones, Prison Break and King Tut وغيرها من الأفلام تعيش في هذا البؤس.
تتذكر الطفلة بحسرة وحزن الأفلام التي تعرضت فيها للاستغلال من طرف الوسطاء مثل: Prison Break الذي شاركت فيه بدور يتضمن حوارا بمقابل لا يتجاوز 250 درهما مغربيا لليوم، تقول فاطمة الزهراء "أحس بالظلم والإهانة، لكن أنا في حاجة ماسة للعمل في الأفلام السينمائية لأني أعشق السينما وأقتات منها".
تعتبر ابنة مدينة ورزازات اقتطاع السماسرة لنصف أجرها أهون عليها من رؤية والدتها تجلس تحت أشعة شمس الحارقة أمام مسجد تاوريرت لتتسول أغرورقت عيناها بالدموع غير أنها أصرت على رسم ابتسامة حزينة على محياها لتعبر عن ما تكابده قائلة: "لم أعد قادرة على رؤية مشهد والدتي تتسول".
وفي الوقت الذي كشفت فاطمة الزهراء عن ما تعانيه من استغلال رفضت نادية والدتها الحديث عن السماسرة متخوفة من أن يتم استبعاد طفلتها من المشاركة في الأفلام السينمائية، واكتفت بالقول "ليس جميع الوسطاء يستغلون ابنتي البعض فقط، ولقد وعدوني بأنهم سيقومون بتعويضها على جميع الأفلام التي حصلت فيها على أجر أقل".
"عبيد" السينما
وليس بعيد عن منزل فاطمة الزهراء بقصبة تاوريت يوجد محل عبد العزيز بويدناين المعروف بـــ"ابن لادن" أشهر كومبارس في مدينة ورزازات، التقينا به رفقة ماهر بناني شاب بلغ ثماني عشرة سنة من عمره للتو، اشتغل حين كان طفل أدوار مهمة في أفلام سينمائية من بينها فيلم موسى ووثائقي عن كليوباترا بمقابل لا يتعدى 200 درهم مغربي لليوم، ولكنه بعد أن تجاوز مرحلة الطفولة تراجع عليه الطلب يقول ماهر: كنت مطلوبا في الأفلام السينمائية حتى أنني لم أكن أجد الوقت للذهاب إلى المدرسة"، معتبرا أن عمله في الأفلام كان سببا رئيسيا في تركه مقاعد الدراسة.
تغيرت نبرة ماهر خلال انتقاله للحديث عن أجواء عمل الأطفال في السينما لقد صارت مشحونة بالأسى وقبل أن يستأنف حديثه تنهد بعمق عائدا بنا إلى طفولته بعينين دامعتين قائلا: "نعامل أسوأ من العبيد ونشتغل من ساعة الرابعة صباحا حتى منتصف الليل.. نهان ونشتم ومن يعترض يمنع من الاشتغال في أي فيلم آخر.. كما أنهم يمنعوننا من الاقتراب من المخرج ومساعديه، فهم يخشون من أن نكشف حقيقة تحايلهم وتزويرهم عقود العمل عبر وضع أجر 250 درهما مغربيا عوضا عن 500 درهم للكومبارس".
وألمح بويدناين إلى أن سماسرة الفيلم يستغلون أطفال الأمهات العازبات لأنهن لا يطالبن بحقهن ويقبلن بأي أجر يدفع لهن "فهن نساء مغلوبات على أمرهن، كما هو وضع والدة ماهر ونادية أم فاطمة الزهراء"، على حد تعبيره.
رافقني بويدناين إلى منزل مليكة، أم عازبة لخمسة أطفال شغلتهم جميعهم في الأفلام السينمائية مثل Killing Jesus وأفلام أخرى لا تتذكر أسماءها، تعيش العائلة في فقر مدقع بقصبة تاوريرت، ومشاركة أطفالها في أفلام عالمية هي وسيلتها الوحيدة لكسب لقمة العيش غير أن ثلاثة من أطفالها تركوا مقاعد الدراسة بسبب العمل في السينما، ما دفعنا إلى تساؤل عن كيف أسهمت الأفلام السينمائية في تنامي ظاهرة قطع التعليم المدرسي؟
الانقطاع عن التعليم
أشار عزالدين تاستيفت، باحث ورئيس النسيج الجمعوي للتنمية بمدينة ورزازات، إلى أن أكبر نسب ظاهرة الانقطاع المدرسي سجلت في قصبة تاورويرت المعروفة بإيوائها لفئات كثيرة من الكومبارس من أبناء المدينة أو المهاجرين من مناطق ومدن أخرى للعمل في هذا المجال، معتبرا أن مسألة تشغيل الأطفال ككومبارس تسهم في تنامي ظاهرة التسرب من التعليم المدرسي.
وحسب المعطيات الرقمية للمديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني بورزازات للموسم الدراسي 2016 /2017، بخصوص قطع التعليم المدرسي في قصبة تاوريرت فإن النسبة بلغت 30% من أصل 420 حالة بالمستوى الثانوي، في حين سجل المستوى الإعدادي 44% من أصل 653 حالة، ووصلت النسبة في المستوى الابتدائي 62% ومن أصل 66 حالة.
أما بخصوص الإجراءات المتخذة للحد من هذه الظاهرة أوضح تاستيفت أنها لا تتجاوز توجيه الآباء وأولياء أمور الأطفال، وتذكيرهم بحقوق الطفل، وهشاشة الشغل بالسينما وتداعياته على الأطفال بالنظر لساعات العمل الطويلة.
غياب الرقابة
ومن جهته، دعا الخبير القانوني محمد الحسنى الإدريسي إلى ضرورة تفعيل مقتضيات قانون الشغل الذي يشدد على منع تشغيل الأطفال وحمايتهم ومنع الحط من كرامتهم عبر منحهم معاملة إنسانية، مشيرًا إلى أن القانون لوحده لا يكفي بدون تدخل مؤسسات المجال الفني منها المركز السينمائي ووزارة الثقافة ومؤسسات أخرى لوقف الاستغلال الذي يتعرض له الأطفال الذين يعملون كومبارس، واعتبر الإدريسي أنه من الطبيعي استغلال هؤلاء الأطفال وتشغيلهم في ظروف لا إنسانية في ظل غياب تفعيل قانون الشغل، وحسب الإدريسي، فإنها من حق كل متضرر اللجوء إلى قانون للمطالبة بتعويضات.
لكن عائلات الأطفال تتخوف من المطالبة بحقوقها لأن ذلك سيكلفها فقدان مصدر رزقها الوحيد السينما، لكن فاطمة الزهراء اختارت أن تواجه الاستغلال بالقول: "أحلم في أن أكون مخرجة عالمية لأني أريد أن أخبر الجميع عن معاناة الأطفال في قصبة تاوريرت"، بينما يطمح ماهر في تجسيد دور مهم في فيلم أجنبي وأن ينجح في الوصول إلى العالمية، في حين تحلم مليكة وأطفالها بتوفير لقمة العيش.
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل