رئيس التحرير
عصام كامل

«ناشر بدرجة حرامي» سرقة حقوق النشر والترجمة بالوطن العربي.. «تقرير»

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

السرقة لا تتوقف عند "حرامية البيوت"، فالأشياء المادية ليست وحدها القابلة للسرقة، وإنما الأفكار أيضًا.. الأمر الذي وجب حمايته والحد منه بتشريع قانون الملكية الفكرية، ومواثيق الشرف في مجال النشر.


وعلى الرغم من سن القوانين التي من شأنها حماية المبدع والمفكر، إلا أن مسلسل انتهاك الملكية الفكرية ما زال مستمرا، خاصة في مجال الترجمة، حيث يتوجب على الناشر الراغب في نشر أي ترجمة للغته عن لغة الكتاب الأصلية، استئذان المؤلف الأصلي للكتاب أو دار النشر المالكة له، إلا أن هذا لا يحدث عادة ! خاصة في الوطن العربي، المصنف من أعلى المناطق حول العالم في انتهاك حقوق الملكية.

وهو الأمر الذي يفسر وجود عدة ترجمات مختلفة للكتاب الواحد، حيث يتسابق الناشرون عادة إلى ترجمة الكتاب الرائج، فتتعدد طبعات الترجمة للكتاب الواحد وتعم الفوضى.

وبحسب البحث الذي أعدته الباحثة صلاح سليم على، بعنوان "قرصنة حقوق النشر والسرقة الأدبية في الشرق الأوسط"، فتعد القرصنة في الشرق الأوسط ممارسة قديمة، فهي تعود في العصر الحديث إلى عشرينيات القرن الماضي عندما أقدم اللبنانيون والمصريون والسوريون وغيرهم لإعادة نشر المخطوطات المخزونة في المكتبات والمتاحف والمدارس الدينية بنسخ مطبوعة وعرضها في الأسواق بأسعار باهظة.


ومع توالي العقود، تطورت هذه العملية حتى أصبحت القرصنة حرفة متخصصة شملت الشرق الأوسط بأكمله حيث شرع الكثير من دور النشر والكتاب بترجمة الأدبيات المدونة بلغات أوروبية، وعرضها في أسواق مصر وسورية ولبنان والعراق بدون أي ترخيص من الكتاب أو أصحاب حقوق النشر أو دور النشر الأوروبية التي قامت بنشر الأصول.. ومن الأعمال المترجمة ما ظهر تحت عناوين غير عناوينها الأصلية ككتاب أدمند روستاند "سيرانو دي برجراك" الذي ترجمه المنفلوطي بتصرف شديد ليظهر في الأسواق تحت عنوان "الفضيلة"، ومسرحية هنريك إبسن "الأشباح" التي سلخها على أحمد باكثير في روايته "السلسلة والغفران".


وعلى النحو نفسه كانت المسرحيات تتحول إلى روايات والروايات إلى مسرحيات.. ولأن معظم الأعمال الكلاسيكية الأوروبية متوفرة بطبعات عديدة ومتكررة بدون غطاء من حقوق النشر، عمد المترجمون العرب إلى ترجمتها بدون رجوع إلى دور النشر الأجنبية فامتلأت السوق العربية بترجمات تجارية لديكنز وهوغو ومولير وبرناردشو وابسن وهمنغواي والعديد من كتاب وأدباء القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين وترتب على ذلك أن العديد من القراء العرب باتوا يعرفون أسماء الكتاب قبل القاريء الأوروبي كالبير كامي وسارتر والكسندر دوماس واميل زولا وفلوبير والبرتومورافيا وكولن ولسون وغيرهم، وباتت كتبا مثل اللامنتمي وكفاحي ودون كيشوت وجمهورية فلاطون وغيرها تباع إلى جانب روايات نجيب محفوظ ومسرحيات الحكيم، وكانت السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي مرحلة هذا النوع من السرقات الأدبية وازدهار سوقها.

وظهرت مشكلة الترجمة وحقوق النشر مجددًا على سطح الساحة الثقافية، من خلال أزمة المترجم صلاح علماني مع دار مدى للنشر، حيث طالبها بحذف اسمه عن جميع المؤلفات التي ترجمها ونشرت بالدار، لتأكده من عدم وجود أذونات من الأدباء الأصليين للأعمال التي ترجمها علماني.

وبدأ الأمر برسالة وجهها «علماني» للدار، قال فيها: «بما أنه تبين لي أن دار المدى مؤسسة لا تحترم حقوق المؤلف، وتسطو على نتاج المؤلفين بلا وجه حق، فإنني أطالبها بأن تحذف اسمي عن جميع الأعمال التي ترجمتها لها مادامت تطبعها قرصنة وبلا احترام لحقوق مؤلفيها، خلافًا لما كان يدعيه مالكها. السيد فخري كريم عن احترامه لحقوق المؤلفين. إنني أرفض ربط اسمي بسرقات دار المدى، ولا أسمح لها باستخدام اسمي على منتجاتها غير الشرعية، يستثنى من ذلك الكتب التي تُحترم فيها حقوق المؤلف إن وجدت، ولا اظن أنها موجودة لدى دار المدى، محترفة القرصنة».

واقعة «علماني» ليست الوحيدة على الساحة، فمنذ عدة أشهر، أصدر الروائي الياس خوري بيانًا أعلن فيه رفضه القاطع تقديم مسرحية مقتبسة عن روايته «يالو» في مهرجان «مركز هابار» في القدس واستنكر هذه القرصنة التي فوجئ بها.


وعلى الرغم من قرصنة الدور واعتراف معظمهم بتلك القرصنة، إلا أنهم يعلنون عن عدة مبررات تجعلهم يرتكبون تلك الأفعال، ومنها أنه في حال أخذت الدار حق النشر من مؤلف العمل الأصلي، سيترتب على ذلك ارتفاع سعر الكتاب إلى الضعف، وهو ما لن يقدر عليه القارئ العربي، إضافة إلى انخفاض نسبة الربح التي يكسبها كلا من الناشر والمترجم.
الجريدة الرسمية