أمينة شفيق: حرية الصحافة «أكذوبة» ومرهونة بإرادة مالك الجريدة
- لا يجب عرض قانون النقابة على البرلمان والدولة ليس لها علاقة بالنقابة
- السادات كان بيحاسبنا على عبد الناصر
- الخطة الأولى لجمال عبد الناصر هي ما تحيا عليها مصر حتى الآن
- اتحاد الصحفيين الدوليين أنشأ لنا صندوقا لنتقاضى رواتبنا بالفرنك الفرنسى
- الإعلاميون في مصر يحتاجون تدريبا كبيرا ويجب محاسبتهم على أخطائهم
- "هيكل كان رجل دقيقا ومدققا والعمل معه لم يكن سهلا"
- "السيسي ورث تركة ثقيلة جدا"
- في التسعينيات غيرنا عقد عمل الصحفيين حتى لا يتم نقله للقيام بأعمال أخرى
أربعة وستون عامًا، قضتها المناضلة اليسارية والصحفية القديرة «أمينة شفيق» في أروقة صاحبة الجلالة، وبين مكاتب نقابة الصحفيين، إلى جانب نضالها السياسي المعروف، والذي أدى إلى إحالتها إلى المعاش وإقصائها سياسيًا وصحفيًا.
عملت بالصحافة بعد أن حصلت على الثانوية العامة عام 1953 ودخلت الجامعة، وخطت قدماها أبواب جريدة "أخبار اليوم" لتبدأ مرحلة تدريبها، مرورا بجريدة "الجيل"، والتي كان يرأس تحريرها في ذلك الوقت الكاتب الصحفى الراحل موسى صبري، حتى محطة جريدة "المساء"، وانتهاءً بجريدة "الأخبار"، التي ما زالت تحتل مقالاتها فيها مكانة خاصة حتى الآن، وهي تحمل على عاتقها هم قضايا الصحفيين ونقابتهم وقضايا المرأة، ووضع الحالة السياسية في مصر.
مشوار طويل وكبير، حافل بالإنجازات والمعارك السياسية والنقابية، خاضته من أجل أهداف اقتنعت بها، وقيم دفعت ثمنها.. "فيتو" أجرت مع الصحفية القديرة أمينة شفيق هذا الحوار، وكان كالتالي:
* للأهرام مكانة خاصة في قلبك.. حدثينا عن تجربتك بها؟
عملت في الأهرام منذ 1960 وما زلت أكتب بها مقالاتى حتى الآن، وقد عملت تحت رئاسة الأستاذ محمد حسنين هيكل منذ 1960 وحتى 1974 تاريخ مغادرته للأهرام، والعمل معه لم يكن سهلا فكان شخصية دقيقة ومدققة، وكان يعطى مساحة للحركة وكان ذلك مهما بالنسبة لي، في الحقيقة لقد أثر جدا وجودي في الأهرام والمجلس القومي للمرأة، لأنهم أعطوني مساحة كبيرة للحركة، جعلتني أشاهد مصر من الداخل، وقد أثرى هذا تجربتي الشخصية، لذا لا ألوم على من يأخذ مصر من الخارج فقط، فهو لم يحظ بتجربتي، والتي اكتشفت من خلالها أن المرأة المصرية ليست واحدة وكذلك الرجل المصري ليس واحدا، وإنما هم عدة نساء ورجال تشكلهم بيئتهم.
*حدثينا عن ظروف انضمامك لنقابة الصحفيين؟
انضممت لنقابة الصحفيين عن طريق المحكمة، فلم تكن هناك لجنة قيد داخلية في النقابة، وكنا ندخل النقابة عن طريق المباحث العامة، طبقًا "للقانون القديم"، وكنا نذهب إلى مكاتب المباحث العامة بالإجبار.. وعندما دخلت النقابة فوجئت باتصال من "اللواء سيد زكى"- ولم أكن حينها أعرف من هو- طلب مني الحضور إلى مكتبه، وعندما أخبرت زوجي قال لي ماذا فعلتِ؟ وعندما ذهبت إلى مكتبه وجد على مكتبه صورا لعدد من الصحفيين.
وبالمناسبة أرى أنه يجب ألا يُعرض قانون النقابة على البرلمان، ويجب أن تكون القوانين النقابية عامة، تخضع لحرية التنظيم، وأن تقر الجمعية العمومية التغييرات بالقانون وقتما تشاء فنحن لم نستطع تغيير القانون الحالي خوفا من تدخل البرلمان، فالدولة ليس لها علاقة بالنقابة ولا يجب أن تقوم بتنظيمها فهذا تنظيم نقابي خاص بأصحاب المهنة، فما علاقة الدولة به؟
* لماذا اختلفت مع الرئيس السادات؟
السادات كان ضد اليسار وكنا نحن ضد الانفتاح الاقتصادي، وقد أحالني إلى المعاش عام 1972 أنا معي ما يقرب من 60 صحفيًا، ثم نقلني إلى الشئون الاجتماعية سنة 1981، وكان معي يوسف إدريس وأحمد حمروش ولويس عوض وأحمد عبد المعطي حجازي، وأخرجنا من الاتحاد الاشتراكي على أساس أننا فاسدون ومفسدون "مكنش دريان بنفسه"، وكان معظمنا محررين صغارا، وكنت أبلغ 33 عاما "كان بيحاسبنا على جمال عبد الناصر".
لكن الطريف في الموضوع، أن هذه الأزمة أدت إلى شهرتي، فقد كتبت عني مقالات بالصحف الهندية، كما عقد اتحاد الصحفيين الدولي، مؤتمرا حافلا في أوروبا لنا حضرة "جان بول سارتر"، كما أنشأ صندوق لنا لنأخذ منه مرتباتنا بالفرنك الفرنسي، وعندما علم السادات بذلك أعادنا إلى عملنا مرة أخرى.
* ألم يتدخل أحد لحل هذه الأزمة؟
ألح الأستاذ محمد حسنين هيكل، والأستاذة أمينة السعيد، وبهجت بدوي، إلحاحًا كبيرًا على السادات لكي يعيدنا إلى أشغالنا، فقرر حينها أن يصرف لنا رواتبنا.
* لماذا كنت توافقين على سياسة الرئيس عبد الناصر دائما.. حتى قرار تأميم الصحف وافقت عليه؟
"لأني يسارية واشتراكية"، فسياسة عبد الناصر اتفقت معي ومع أفكاري، وقد كان الكل كذلك بل أحيانا كانوا يزايدون على "عبد الناصر"، لكن بعد وفاته أصبح معظمهم انفتاحيين.
أما التأميم، فقد وافقت عليه لأنه يتفق مع أفكاري الاشتراكية، وقبل التأميم كان هناك رقيب في الصحف، وناقشنا قضية الأراضي المستصلحة بجريدة الأهرام بشكل متسع وهي قضية كبيرة، ويجب أن نعترف أن حرية الصحافة «أكذوبة»، فحرية الصحافة مرهونة بحرية مالك الجريدة سواء كان الدولة أو أشخاصًا، فهو يقوم بإنشاء الجريدة من أجل أفكاره، لذا يختار من يعمل معه وفقًا لهذه الأفكار، وما نتمتع به في الحقيقة ما هو إلا حريات صغيرة يمنحها لنا مالك الجريدة.
وبالنسبة لاتفاقي وسياسة عبد الناصر، فالخطة الأولى التي وضعها جمال عبد الناصر من سنة 1952 وحتى 1960 هي ما تحيا عليها مصر حتى الآن، لقد كنا من كثرة الإنجازات في هذه الفترة نتندر ونقول على وزير الزراعة "أبو لمعة" نسبة إلى الممثل الكوميدي في ذلك الحين، على الرغم من أنها مشاريع حقيقية، ففي إحدى الفترات، كان يقول سنبني كل يوم مدرسة فكنا نقول "أهية.. يا راجل يا بكاش"، ولكنه كان يفعل.
وأتذكر أنه كان هناك تحقيق لأحد الزملاء به صورة لطفلة تذهب إلى المدرسة وهي ترتدي "مركوب أبيها"، وتحمل حقيبة من القماش وأخذت هذه الصورة على محملين الأول أن التعليم أصبح مسموحا للجميع حتى الفقراء يستطيعون أن يتعلموا، والثاني أن الفقر يمنع أهلها من شراء حذاء لها، ولكني عندما أذهب إلى الريف الآن أجد الوضع مرضيا.
* ما رؤيتك لحالة الإعلام المصري وحال الصحفيين؟
الإعلاميون في مصر يحتاجون تدريبًا كبيرًا، ويجب أن يتم محاسبتهم على أخطائهم، فهم للأسف أحيانا يقولون معلومات مغلوطة ويجب أن نتعلم من القنوات العالمية مثل الـ "بي بي سي"، وبالمناسبة بها مذيعة مصرية تدعى "سميرة أحمد" وهي متميزة جدا.
المرحلة الحالية بها صحافة ملك الدولة، يقولون عنها ما يقولون، كما أن هناك صحافة ملك أفراد وصحافة أخرى ملك أحزاب، وعندما دخلت مجلس النقابة في 1971، كنت أعمل بمؤسسة الأهرام، وكان جميع الزملاء يعملون بجرائد قومية، وكانت مشكلات المهنة مختلفة عن المشكلات الحالية، فمشكلات مثل الفصل أو التعيين برواتب متدنية أو التفرقة بين الصحفية والصحفي، لم تكن هذه النوعية موجودة، كانت أكبر مشاكلنا هي إقصاء الدولة لتيار بعينه عند الغضب منه، أو تكليف الصحفي بأداء مهام وظيفية غير صحفية، لذلك قمنا في التسعينيات بتغيير عقد عمل الصحفيين ليكتب به محرر صحفي وليس موظفًا حتى لا يتم نقله من عمله الصحفي للقيام بأعمال أخرى.
* ماذا كنتِ ستفعلين في النقابة في المرحلة الحالية لو كنت في منصب السكرتير العام؟
لقد كنت سكرتيرا عاما للنقابة في ظروف مختلفة، وكل مجلس يعمل وفقًا للمعايير المتاحة، ولكن عندما تحتاجني النقابة في شيء لا أتأخر عنها.
* هل يستشيرك المجلس الحالي؟
المجلس الماضي نعم استعان بي في بعض الأمور أما الحالي فلا، لكنَّ الصحفيين طيلة الوقت يستشيرونني في أمور مختلفة.
* ما تعليقك على استبدال وزارة الإعلام بالمجلس الوطني للإعلام؟
أنا مع الدستور وعدم وجود وزارة إعلام، كما يجب أن يكون هناك تغيير في المؤسسات، والأفضل أن يتم هذا التغيير من الأسفل إلى الأعلى وليس العكس.
* ما رأيك في الحالة السياسية في مصر وطريقة الحكم؟
الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورث تركة ثقيلة جدا، ولا يوجد حالة سياسية في مصر تسمح بتقييم طريقة الحكم حاليا، ولكني عندما أرى معارضة للرئيس السيسي فذلك يدعو إلى البهجة لأن المواطن أصبح واعيا وهذا يعني أن الشعب قد تغير، ولكن أيام عبد الناصر كان الجميع يرفع شعار "آمين يا رب العالمين"، ومن الجيد أن يعلم القائد أو الحاكم أنه يحكم شعبًا يميزه التنوع والاختلاف.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"..