رئيس التحرير
عصام كامل

طبيب مسعور ومريض مقهور


الإصابة بالسعار ليست قصرا على حيوان بعينه، فبعض البشر من تجار ومهنيين وبلطجية ضربهم المرض اللعين، فأطلقوا أنيابهم في جسد المواطن المسكين.. ولا أقصد تجريحًا ولا تعميمًا؛ لأن علينا أن نواجه حالة الجشع المتفشية بلا رادع ولا قيد وعلينا كبح جماح تلك الرغبة العارمة في التكويش، هم والمتطرفون سواء في ترويع وتعذيب المواطن وقهره وإذلاله ووضعه في هيئة المحتاج المضغوط.


هل يوجد في مصر طبيب مسعور؟ نعم يوجد طبيب مسعور، بل أطباء مسعورون.. وكيف ينسعر الطبيب؟ هل عضة كلب مصاب بالسعار، فتقاعس الطبيب المعقور عن تلقى الحقنة المضادة؟

لا بالطبع، لم يعضه كلب مسعور، بل الحقيقة أن الطبيب المسعور هو الذي يمارس عض وعقر المرضى، ويحولهم إلى مساعير غاضبة ضده وضد كل من يمتص دم الشعب، ويبتز الناس، وينتهز الفرصة في إذلال غير القادرين على دفع تذكرة دخول جنة رضوان في عيادة بباب اللوق أو الزمالك أو المعادي!

لا يقل موقف الطبيب المسعور عن موقف التاجر المسعور، والمهندس المسعور والصحفي المسعور والمدرس المسعور، والسياسي المسعور، بل الفنان المسعور.. السعرة بحجم البلد.. كل من تطرف وضيق على الناس هو متطرف وهو مسعور.. شهوة الافتراس تتملك النخب، والتكويش، وسهر الليالي في عد الملايين استمتاعًا، وهي دموع وحسرات وأزمات مرضى وجوعى بالنهار، تحولت إلى ملايين من دولارات وجنيهات ومزارع وقصور ومنتجعات!

لا رحمة.. كله كوم وسعرة طبيب تهيئ له الحكومة أفضل الظروف لمواصلة السعرة، رغم أن السيد وزير الصحة أعلن عن تسعيرة وصفها بالاسترشادية وتعرض على البرلمان والمجتمع للنقاش حولها!

كان من المفروض أن يكون مجلس الوزراء ناقشها وأقرها قبل نهاية يوليو الماضي، وانتهى يوليو وتجاوزنا منتصف أغسطس، ولا حس ولا خبر.. عمومًا لا تنتظروا خيرًا ولا تتوقعوا رحمة، فالتسعيرة كما أشار إليها الدكتور على محروس، رئيس الإدارة المركزية للعلاج الحر والتراخيص لا علاقة لها بالفقراء، ولما نقول الفقراء فإننا نعني أيضًا الطبقة المتوسطة التي سقطت في حزام الإفقار.. ماذا في التسعيرة؟

نقلت اليوم السابع عن وزارة الصحة".. وكشف على محروس أن المقترح يتضمن تحديد قيمة الكشف للطبيب الممارس 100 جنيه حدا أقصى و200 جنيه للإخصائى و400 جنيه للاستشاري الحاصل على الدكتوراة والاستشارى أستاذ الجامعة 600 جنيه".. معنى هذا الكلام العجيب تقنين الــ ٤٠٠ والــ ٦٠٠ للاستشاري الحاصل على الدكتوراة والاستشاري أستاذ الجامعة على التوالي، ومن يرد الأرخص فليذهب إلى الطبيب الممارس، فتذكرته بمائة جنيه، ومن يرد البين بين فليقطع تذكرة للإخصائي بــ٢٠٠ جنيه!

تسعيرة تقنن السعار وتعترف به، والغريب أن الوزير أحمد عماد يطرحها على أنها علاج لمبالغة الأطباء في الفيزيتا!

المريض المصري رهينة العيادات الخاصة وعددها ٨٠ ألف عيادة، تمثل ٩٥ ٪‏ والـــ ٥٪‏ عيادات حكومية، أما المستشفيات الخاصة فثلاثة أضعاف الحكومية التي تبلغ ٧٠٠ مستشفى، إذا كانت هذه لائحة أسعار الرحمة التي سوف يتفضل كبار الأساتذة بالنظر إليها استرشادًا، فإنها بهذه التسعيرة شريك كامل لمن لا يعرفون الرحمة.. أطباء المخ والأعصاب والباطنة والكبد فيزيتات الكشف وإعادة الكشف تتجاوز الألف ونصف الألف، فضلا عن طوابير حجز، ومواقيت مفتوحة، ويا ويل من كان مرضه يفضي به إلى طبيب له عيادة في منطقة مرموقة، لأنه سوف يدفع ثمن الديكورات والموقع الجغرافي!

لمن يذهب المريض الذي يفاجئه أقل كشف متخصص بأربعمائة جنيه وخمسمائة؟
سوف يذهب إلى عيادات الشيطان، إلى مستوصفات ومستشفيات الإخوان، لأنهم، وقت حوجته وأزمته، كانوا أرق وأحن عليه من حكومة ومن أطباء افتروا على خلق الله الغلابة، سوف يلقي المريض المحتاج المأزوم بنفسه في أحضان أطباء الإخوان والمستشفيات الخيرية السلفية، وسوف يوفرون له الحنان والدواء، والأدعية ويجندونه جنديا مدينا لهم بإنقاذ حياته أو حياة أحد من أسرته.

أين نقابة الأطباء؟ هل تركت الشعب نهبًا لمن طغى وافترى ويستحلب قوت الناس، مبتزًا انهيارهم في مواجهة خطر الموت، وهجمات الألم المروعة؟!

لا حكومة حنونة، ولا نقابة موجودة، ولا ضمير طبي يراجع ويحنن، ولا تعجبوا بعد ذلك من شيوع القسوة هذه، إن عم السخط، واحترقت النفوس غضبًا!

شيء من الرحمة قد يحميكم يا أيها المتربصون بما تبقى من أقوات الناس.
الجريدة الرسمية