في سكك حديد مصر «سيبك.. بيعملوها كتير»!
مع كل حادث يقع يسقط بسببه ضحايا أبرياء - سواء كان حادث قطار أو حادث غرق عبارة أو أتوبيس نقل عام أو سياحي أو ما شابه – تنبري الأقلام وترتفع الأصوات تستدعي الحوادث المماثلة، وتتذكر ما قيل في مثل هذه المناسبات التي تتكرر كثيرا، وما أشبه الليلة بالبارحة.. نفس الكلمات وذات التصريحات لا يتغير فيها شيء غير المسئول الذي يصرح، وربما يكون نفس المسئول.. بعد يوم أو يومين أو ثلاثة على الأكثر يتحول الحادث إلى ذكري، ويتحول الضحايا إلى رقم في سلسلة التحقيقات التي تنتهي إلى! وتعود الحياة إلى سيرتها الأولى، ويركب الضحايا القطارات والأتوبيسات وكأن شيئا لم يكن.. لا دروس مستفادة، ولا عظة من موت، ولا ردع من قانون، ولا قانون يفرض قوته فيحاسب المهمل!
ولأن الإهمال صورة شديدة البؤس من صور الفساد الذي ينافس الإرهاب في عدد الضحايا الذين يسقطون بسببه، فقد توقفت أمام بعض الجمل والعبارات التي جاءت في التحقيقات الأولية في حادث قطاري (الإسكندرية- خورشيد) الذي أزهق أرواح 41 ضحية بريئة، وتسبب في إصابة نحو 200 شخص آخرين.
قال سائق القطار المتسبب في الاصطدام لمساعده عند رؤية إشارات التحذير التي تنبهه إلى وجود خطر أمامه "سيبك.. بيعملوها كتير".. وأشارت التحقيقات إلى أن هناك احتمال فشل تشغيل الفرامل إلكترونيا، والمفاجأة أن مصادر بهيئة السكة الحديد كشفت أن هذا السائق هو نفس سائق قطار حادث المناشي – إيتاي البارود، الذي خرج عن القضبان وتسبب في كارثة في 2013، بسبب رعونته وتجاوز السرعة المقررة، وتعطيل الجهاز الذي يتحكم في السرعة الزائدة.
(سيبك.. بيعملوها كتير.. فشل تشغيل الفرامل.. سائق متخصص في تجاوز السرعة وصناعة الحوادث).. هذه الكلمات لخصت مشكلة هيئة سكك حديد مصر.. المرض واضح ومعروف، وأسباب التدهور في المرفق يعرفها الكبير والصغير، ومع ذلك لا نتوقف عن الكلام وإطلاق التصريحات وإلقاء الاتهامات.. الوزير يستقيل.. رئيس الهيئة يغور في داهية.. الحكومة كلها تستقيل.. و.. و..!
المشكلة تنحصر في الإهمال.. الاستهانة.. قلة الإمكانات.. الرقابة والمتابعة.. فساد الإدارة.. والسؤال هل يتغير شيء في هذه العوامل كلما غيرنا الوزير أو رئيس الهيئة؟.. ما أكثر وزراء النقل ورؤساء الهيئة الذين يستقيلون أو يَقالون بسبب حوادث القطارات، ومع ذلك تقع الحوادث وكل حادث أبشع وأكبر من سابقها!
هل هناك حل يوقف التدهور في هذه الهيئة؟ وهل هناك طريقة لتجنب هذه الحوادث قدر الإمكان؟ بالقطع هناك حلول تعالج هذا العوار الموجود منذ سنين طويلة، وأظن أنه يتحقق من خلال إدارة رشيدة، وتدبير موارد للتطوير والتحديث المطلوب، خصوصا ونحن نستهدف الاستفادة من السكة الحديد في نقل البضائع بنسبة كبيرة، للتخفيف عن الطرق التي تنهار بسرعة بسبب الحمولات الكبيرة عليها.
مشكلة الموارد يمكن حلها بسهولة من تعظيم الاستفادة من أراضي حرم السكة الحديد، والتي تصل إلى 190 مليون متر مربع حسب تقرير جهاز المحاسبات، لا تعرف الهيئة شيئا عن 96% منها، وهذا يعني أنها أغني سكك حديد في العالم، وحسب خبراء قالوا إن السكك الحديدية تمر في مدن وعواصم المحافظات، ويصل سعر متر الأرض في هذه الأماكن إلى 50 ألف جنيه، ولو قامت الحكومة بطرح 50 مليون متر بسعر المتر 10 آلاف جنيه فقط ستحصل على 5 تريليون جنيه، وستتحول كل العشوائيات التي تشوه وتغتصب أملاك الهيئة إلى محال وأسواق حضارية، وإذا أضفنا قيمة الخردة الموجودة منذ أنشأ الانجليز هذه السكك الحديدية لتوفر لدينا رقم يمكن به تنفيذ أعظم سكك حديدية في العالم بعيدا عن القروض والاستدانة.
أما مشكلة الإدارة فليس هناك بد من خصخصة الإدارة فقط، أي إسنادها لشركة متخصصة تستطيع أن تدير المرفق بشكل اقتصادي يحقق خدمة جيدة وآدمية وتحقيق ربح، وهناك تجارب كثيرة في دول العالم منها بريطانيا أم السكك الحديدية في العالم!
يبقي اتخاذ القرار دون النظر لعواجيز الفرح الذين يجيدون لطم الخدود وشق الجيوب والفرح والشماتة في الموت ومصائب الناس!
الذين يصنعون المشكلات لن يكونوا يوما صناع الحلول، والاستغراق في شعارات تجاوزها الزمن لن ينقلنا خطوة للأمام!
خصخصة الإدارة سوف تطهر الهيئة من الإهمال والفساد وتغلق التكية التي يرتع فيها الفاسدون وتنسف شعار "سيبك.. بيعملوها كتير".