رئيس التحرير
عصام كامل

عملاق الخليج... شمس لن تغيب


بعد دقائق من وفاة عملاق الكوميديا والفن الخليجي الفنان عبدالحسين عبدالرضا، تصدر "هاشتاج" يحمل اسمه قائمة الأكثر تداولا في دول الخليج قاطبة، وبعد ساعات قليلة قفز "الهاشتاج" إلى صدارة "الترند العربي" ثم حل ثانيا في "الترند العالمي"، ما يعكس قيمة فنية وشهرة طاغية ومحبة غير مسبوقة، يحظى بها الراحل الكبير على الصعيدين الخليجي والعربي.


أكثر من مرافقة في وفاة "بوعدنان" منها أنه رحل نتيجة جلطتين في الرجل والقلب، وكان عبدالرضا قد بدا في إطلالته الأخيرة بمسلسل "سيلفي 3" مع ناصر القصبي في رمضان كمن يروي معاناة سنوات طوال من قلبه العليل، عبر حلقة بعنوان "قلب للبيع" عن مريض قلب يبحث عن متبرع ويسافر "لندن" لزراعة القلب.

مرافقة أخرى بتزامن وفاة "بوعدنان" مع ذكرى وفاة نجمين كبيرين هما نور الشريف وطلال مداح، أما المرافقة الثالثة فهي أن عبدالحسين مات في "لندن"، وكانت أشهر مسرحياته "باي باي لندن"، قاد فيها نخبة من نجوم الكوميديا بالكويت مطلع الثمانينيات عن نص كتبه المصري نبيل بدران وأخرجه التونسي المنصف السويسي.. انتقدت المسرحية بعض الأوضاع العربية ولم تخل كسائر أعمال عبدالرضا من الانتقاد اللاذع والإسقاطات السياسية والاجتماعية، ومعها انتقل من الشهرة الكويتية الخليجية إلى الشهرة العربية الواسعة.

لن أتطرق إلى تاريخ وأعمال العملاق عبدالحسين، فهو قامة وقيمة يصعب الإحاطة بتأثير أعماله المسرحية والتليفزيونية والإذاعية على الصعيدين الفني والجماهيري، وحضوره الإنساني الطاغي في مقال، إنما أتحدث عن تجربتي معه وعلاقتي الوطيدة به، رغم أنه كسائر كبار النجوم كان بعيدا عن الصحافة والإعلام إلا فيما ندر.

اعتاد "بوعدنان" على تقديم مسلسل تليفزيوني في رمضان كل عام، وحدث في فترة ليست بعيدة أن اعتمدت أعماله على حضوره الشخصي ونجوميته الطاغية و"إفيهاته" الحاضرة، أكثر من اعتمادها على نص قيم وحبكة درامية تستحق أن يجسد أحداثها عبدالحسين، ولأنه نجم الخليج الأول لم يستطع أحدا أن ينتقد مسلسلاته ويحذره من منحدر ينجرف إليه كل عام.. لكنني تجرأت على ذلك في تحليل نقدي عن أحد مسلسلاته الرمضانية التي عرضت حينها، مع الإشارة إلى مكامن الخلل في المسلسلات التي شارك فيها قبل ذلك أيضا، وحذرت من أن استمراره في تلك النوعية الدرامية دون الاعتماد على نص حقيقي، ستنهي تاريخه وتسقط أسطورة عبدالحسين.

لامني مجموعة من الفنانين على قسوة التحليل، خصوصا أن عبدالحسين "أيقونة" ولم يجرؤ أحد على انتقاده، وأن ما كتبته أصابه بصدمة فور نشر القراءة النقدية.. مرت فترة ليست طويلة وتعرفت شخصيا على "العملاق" عبدالحسين، ورغم أنه عاتبني على ما كتبته، وأنني أول من يتجرأ عليه بتلك القسوة، فإنه اعترف بصحة وحقيقة ما كتبته.. واقتناعا بما جاء في رؤيتي لأعماله قرر الغياب الدرامي في رمضان التالي، حتى يعثر على النص المستحق ويستعيد معه تألقه وبريقه، وخصني يومها بتصريحات حصرية في غاية الجرأة والصراحة، فالراحل الكبير اشتهر برأيه السديد وجرأته الشديدة في انتقاد الأوضاع المجتمعية اعتمادا على قيمته الفنية.

توطدت علاقتي مع الكبير "بوعدنان" ونلت ثقته وبات يخصني بالكثير.. ووجدتها فرصة أن أحصل منه على ما لم ينله غيري.. طلبت منه توثيق حياته في حلقات تنشر في رمضان، خصوصا أنه سيغيب دراميا، فعلى الأقل يوجد صحفيا ويعوض الجمهور بلمحات من حياته وكفاحه حتى نال الشهرة الطاغية وأصبح "أيقونة الخليج".

اقتنع "بوعدنان" وصرنا نلتقي أسبوعيا لفترة طويلة في بيته، ومقر شركة الإنتاج التي يملكها، وأيضا "مطبعته التجارية" الكبرى لتسجيل مشوار حياته للمرة الأولى.. اكتشفت خلال ذلك كم هو شخصية فذة وإنسان نادر الوجود، تمكن بكفاح مرير من التغلب على صعوبات الحياة ونشأته البسيطة وتأثر كثيرا بوالدته وخفة الظل الشائعة في الأسرة، حتى التحق بوظيفة حكومية ونال بعثة لدراسة الطباعة وتقنياتها في مصر، ومع إتمامها بنجاح نال بعثة أخرى لدراسة الطباعة الأكثر تطورا في ألمانيا، وبعد عودته أصبح من الرعيل الأول لفناني الكويت الذين تتلمذوا على يديي المسرحي المصري زكي طليمات ومعه الفنانة زوزو حمدي الحكيم، وظل "بوعدنان" على وفائه لهما ويزورهما في القاهرة حتى وفاتهما.

اجتهد عبدالحسين لتحقيق مشروعه الخاص بتأسيس فرقة واتجه للتأليف والإنتاج والغناء إلى جانب التمثيل، ليصبح صانع البهجة والابتسامة، الذي جمع القلوب بذكاء ونجومية وموهبة نادرة، حول أعماله المتفردة لتسطع معها شمس تألقه لأكثر من 50 عاما، وهي شمس لن تغيب برحيله.
الجريدة الرسمية