رئيس التحرير
عصام كامل

مواقف بالحياة


نحن نركض ونلهث، ولا ندري أكان لزاما علينا أن نركض ونتسابق ونتنافس، وبالنهاية لا ندري أكان لزاما علينا لأجل هذا التنافس أن نغامر بأشياء جميلة، ونضحي بقيم ومبادئ إنسانية عظيمة، ونتخلى عن مسئوليتنا وعن التزامنا بالرعاية والحماية لأنفسنا ولمن لهم حقوق علينا أداؤها، ونلهث خلف أوهام تعشش بذاكرتنا، ويصرفنا الغرور وعشق الحياة عن أهدافنا السامية وغاياتنا النبيلة، فنظل نركض إلى ما لا نهاية، ونظل نبحث وكلما أدركنا ما كنا نحلم به نخترع لأنفسنا أي سبب آخر لكي نبحث عن شيء جديد، ونظل نمسك بخيوط هي أوهن من خيوط العنكبوت، ونظل نرسم الصور بألوان ساحرة وساخرة في الوقت نفسه، وكأننا نتحدى بذلك إرادتنا لننتج للناس وللعالم صورة أشبه بالظل، فالريشة لم تحركها يد رسام فنان، والريشة لم تتعلم بعد دروسا في الرسم، ولم تكن يوما تحسن انتقاء الألوان، ولا كانت موهوبة بهندسة الأشكال.

ويظل هكذا حالنا وحياتنا بين مد وجزر، ومن ركض إلى ركض، ومن منافسة إلى منافسة، ومن سباق إلى سباق، ومن سفر إلى سفر أطول وأبعد، حتى تدركنا رحمة الله بالهداية فتتفتح بصيرتنا وتنجلي لنا أنوار الحقيقة، فتصحو ضمائرنا، وتتطهر قلوبنا، وتصفو سرائرنا، وتتصل أرواحنا بوشائج المحبة الإلهية، فنحيا حياة ربانية جديدة، فنتوقف حينها عن الركض، ونتعلم كيف نتحرك مهلا، وكيف نمشي على الأرض هونا، وكيف نتأمل أسرار الكون ونتدبر، وكيف نفكر ونعقل، وكيف نتذوق حلاوة الحياة البسيطة، ترفُل بأوبار العز والكرامة، فنتنعم بالراحة والسكينة في الحياة الهادئة، والنفس المطمئنة لذكر الله آناء الليل وأطراف النهار، وننشط بالسعي عند الإبكار، وكسب أرزاقنا بالحلال، وبالقدر الذي يكفي بطنا قنوعة، زاهدة عن لقمة العيش المترف، وعن الكسب المغموس في أوحال الحرام
الجريدة الرسمية