رئيس التحرير
عصام كامل

«حكايات محمد نجيب في البحر الأحمر».. تفاصيل تنشر للمرة الأولى عن أول رئيس لمصر.. محمد ساتى يروى مواقف خاصة مع نجيب في الأربعينيات.. وفصول جديدة من مأساته في «فيلا المرج»

الرئيس محمد نجيب
الرئيس محمد نجيب

>> زينب ساتي: من شدة تواضعه كان أولاده يستقلون السيارة معنا ويجلسون بالمقعد الخلفى
>> السيدة إنعام: كان يفتح أبواب مكتبه بالمحافظة على مصراعيها ويستطيع أي مواطن أن يقابله دون موعد



اللواء محمد نجيب قائد ثورة 1952 الذي أطلق اسمه مؤخرا، على أكبر قاعدة عسكرية في مصر والشرق الأوسط، كان محافظًا للبحر الأحمر قبل الثورة بنحو 4 سنوات، وكانت المحافظة تمتد من منطقة جبل عتاقة في جنوب مدينة السويس، وحتى قرية وادى خريط جنوب مدينة كوم إمبو بأسوان، وكان حكام المحافظة باعتبارها حدودية يتم تعيينهم من قوات حرس الحدود.


وبعيدا عن التضارب الذي يطال دوره في ثورة يوليو، وهل كان مخلصا لها، أم تواطأ مع جماعة الإخوان، ما أدى في النهاية إلى إبعاده عن سدة الحكم ومعاملته بطريقة غير إنسانية، ثم العمل على محو دوره بالكامل، وإبراز دور جمال عبد الناصر وحده، باعتباره أول رئيس للبلاد، بعد إسقاط الملكية، التقت “فيتو” بأسرة عاصرت “نجيب” محافظا، وكانت قريبة جدا منه، “محمد محمود ساتي” وشقيقته “إنعام” كانا قريبين من المحافظ “محمد نجيب”، بحكم منصب والدهما الشاويش “محمود ساتي” الذي كان ملاصقا له خلال حياته العسكرية..


يقول محمد محمود ساتي، وهو مدير سابق بشركة بترول خليج السويس: “كان اللواء محمد نجيب محافظا للبحر الأحمر في الأربعينيات، وكان والدى مقربا منه، فكلاهما ينحدر من أصول سودانية”، منوها إلى أن والده طلب منه تعيينه في شركة بترول أجنبية كانت تعمل في الغردقة في ذلك الوقت، في منطقة دشة الضبعة وهى المنطقة القريبة من شيراتون، وتابع “ساتى”: حضر مدير الشركة الأجنبى وسألنى عن عمرى، فأجبته: 15 عاما، فامتنع في البداية لصغر سنى، غير أن “نجيب” تدخل وتم تعيينى بالشركة بوظيفة “فنى مخازن” بأجر يومى 8 قروش”.


واستطرد “ساتى” قائلا: “كانت معسكرات الشركة عبارة عن خيام، وأول راتب شهرى استلمته كان 240 قرشا، وطرت حينها فرحا بالمرتب إلى والدي، حيث كانت هناك نار موقدة في الشتاء حيث سقط منى المرتب فيها، ولكن والدى تمكن من انتشالها بأعجوية وقام بتغييرها من مكتب البريد”.


ويروى “محمد ساتى موقفا آخر”، تفاصيله: أن الملك فاروق كان يرسل طائرة نقل حربية إلى الغردقة لتقوم بشحن كميات كبيرة من الإستاكوزا كل 15 يوما، حيث كان الصيادون يقومون بتجميعها قبل وصول الطائرة بيومين وعندما كان اللواء محمد نجيب في مكتبه سمع صوت الطائرة فقال: دى طائرة إيه؟ قالوا له: إنها طائرة الإستاكوزا بتاعة الملك! فلما عرف موضوع الطائرة طلب منهم إبلاغ الطاقم بمغادرة الغردقة دون تحميل الإستاكوزا مثل كل مرة، وبالفعل غادرت الطائرة الغردقة بدون حصة الإستاكوزا وقد تحدى الملك بذلك وأمر أن تباع الكمية كلها للعاملين بالمحافظة والأهالي”.


موقف آخر ترويه “زينب ساتي” قائلة: “كنا صغارا وكان أولاد اللواء محمد نجيب: فاروق ويوسف وعلي، أصدقاءنا، وكنا نقف أمام مبنى المحافظة في السقالة (مبنى قسم الشرطة القديم) الذي تحول إلى مديرية الأمن ثم قسم شرطة ثم أغلق حتى الآن! وكنا في انتظار سيارة المحافظة التي كانت تنقلنا إلى الدهار للذهاب إلى المدرسة، ولأننى كنت الفتاة الوحيدة، فقد كنت أجلس في الأمام مع السائق، بينما بقية التلاميذ بمن فيهم أبناء المحافظ يجلسون في الصندوق، بعلم والدهم الذي كان شديد التواضع والأدب مع الجميع”.
وتابعت “زينب” حديثها قائلة: “بعد قيام الثورة كان اللواء نجيب يسكن في الزيتون، وكنا نتردد عليه في منزله، دون قيود أو تضييق من أي شخص، وكان يقابلنا بود وترحاب شديدين”.


ومجددا يلتقط “محمد ساتي” طرف الحديث قائلا: “زارنى اللواء نجيب في مستشفى المعادى عندما كنت أعالج من آثار حريق صهريج البترول الذي انفجر في شقير عام 1978، ولما تعافيت كنت أتردد عليه في فيلا المرج، بعد تحديد إقامته وكانت معيشته بائسة جدا”.


أما الحاجة إنعام ساتى فتقول: العصر الذي عشناه في الغردقة أيام اللواء محمد نجيب هو العصر الذهبى نقاء وعطاء وتآلف الناس كل واحد له عمل ومبسوط منه، وأضافت: إن حسن الألفى وزير الداخلية الأسبق كان رفيقنا في الغردقة، حيث إن أباه الألفى كان وكيل المحافظ أحمد باشا توفيق كما كان فتحى المهداوى محافظ مرسي مطروح السابق أحد الزملاء، لأن والده كان أيضا وكيلا للمحافظ بعد الألفي، أما المحافظ أحمد باشا توفيق نفسه وقد منحه الملك فاروق الباشوية أثناء زيارة للغردقة، فكانت ابنته صفية صديقتنا.


وتضيف بأنها كانت تؤدى الامتحانات في قنا وذهبنا إلى القاهرة عام 1950 ودخلت أول سنة في مدرسة حلمية الزيتون وتعينت في شبين الكوم عام 1954.


وتوضح السيدة إنعام ساتى أن اللواء نجيب كان في مقر قيادته بالمحافظة يفتح مكتبه ذى الثلاثة أبواب على مصراعيها، ويستطيع أي مواطن أن يقابله دون موعد وكان عندما يذهب من منطقة الميناء (مقر المحافظة) إلى الدهار مركز المدينة، وهى نحو أربعة كيلومترات كان يحمل في سيارته كل من يقابله من المواطنين أو الصيادين، وأضافت بأن اللواء محمد نجيب كان شديد الوطنية ويكره الإنجليز، وقد قام اللواء محمد نجيب في عام 1948 بزيارة لمدينة رأس غارب وصرح لبعض العاملين بأنه سيقوم بافتعال أزمة مع الإنجليز قريبا وبالفعل قام بزيارة حدربة على الحدود مع السودان ونجحت الزيارة في إلقاء الضوء على المنطقة.. وقد نقل اللواء محمد نجيب إلى فلسطين ليشارك في المعركة مع الجيش المصرى والجيوش العربية ثم عاد ليقود ثورة 1952 بعدها وتولى سيد نعيم منصب محافظ البحر الأحمر حتى قيام الثورة عام 1952، حيث أحيل إلى التقاعد وعمل بعدها في شركة أتوبيس الصعيد (أبو الوفا دنقل).


حياته الشخصية
تزوج من زينب أحمد وأنجب منها ابنته سميحة التي توفيت وهى بالسنة النهائية بكلية الحقوق عام 1950، وبعد طلاقه منها تزوج من عائشة محمد لبيب عام 1934 وأنجب منها ثلاثة أبناء فاروق وعلى ويوسف.


محمد نجيب مع أبنائه
كان “على” الابن الثانى لمحمد نجيب يدرس في ألمانيا، وكان له نشاط واسع ضد اليهود هناك، وكان يقيم المهرجانات التي يدافع فيها عن مصر والثورة وعن حق الفلسطينيين ولم يعجبهم هذا الكلام، وفى ليلة كان يوصل زميلا له فإذا بعربة جيب بها ثلاثة رجال وامرأة تهجم عليه وتحاول قتله، وعندما هرب أسرعت وراءه السيارة وحشرته بينها وبين الحائط، نزل الرجال الثلاثة وأخذوا يضربونه حتى خارت قواه ونزف حتى الموت، ونقل جثمانه إلى مصر فطلب اللواء نجيب أن يخرج من معتقله ليستقبل نعش ابنه، ويشارك في دفنه لكنهم رفضوا وكان هذا في عام 1968.


ولم يسلم فاروق الابن الأول من نفس المصير، فقد استفزه أحد المخبرين الذين كانوا يتابعونه، وقال له: ماذا فعل أبوك للثورة؟ لا شيء. إنه لم يكن أكثر من خيال مآتة ديكور واجهة لا أكثر ولا أقل. فلم يتحمل فاروق هذا الكلام وضرب المخبر، ويومها لم ينم فاروق في البيت فقد دخل ليمان طرة، وبقى هناك خمسة أشهر ونصف الشهر، حيث خرج بعدها محطما منهارا ومريضا بالقلب، وبعد فترة قليلة مات.
أما الابن الثالث يوسف فكان يعمل في شركة المقاولون العرب بالإسكندرية، وتم فصله بقرار من عبد الناصر، ثم عمل كسائق تاكسى فيما بعد، وتوفى عام 1988.


مآثره وتكريمه
يعتبر محمد نجيب من أكثر الشخصيات السياسية التي تعرضت لأقصى أنواع التهميش، بالرغم من أنه كان ذات يوم رئيسًا للدولة وقائدا عاما للجيش ومكانته العسكرية السابقة، إلا أنه - بعد الإطاحة به من الرئاسة - شطب اسمه من الوثائق وكل السجلات والكتب، وكان يذكر في الوثائق والكتب أن عبد الناصر هو أول رئيس لمصر، ومنع ظهوره أو ظهور اسمه تماما طوال 30 عاما حتى اعتقد الكثير من المصريين أنه توفي.


في عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك بدأ اسمه يظهر في الكتب المدرسية على استحياء، كما أطلق اسمه على أحد الميادين في مدينة كفر الزيات بالغربية، ومدرستين بالإسكندرية بسيدى بشر والأخرى بالهانوفيل، وأطلق اسمه على إحدى محطات القطارات في القاهرة (محطة مترو محمد نجيب) بعابدين.


افتتح في 24 سبتمبر 2007 متحف خاص بمحمد نجيب في القرية الفرعونية يضم مقتنياته وعددا كبيرا من الصور..

“رئيس من مصر”.. عنوان الفيلم المزمع تصويره عن قصة حياة الرئيس محمد نجيب، بعد ثورة 25 يناير 2011 في مصر ظهرت دعوات لإنصافه وإعطائه حقه تاريخيا بتعديل بعض كتب التاريخ الدراسية وإثبات أنه “أول رئيس لجمهورية مصر العربية وليس عبد الناصر”، كما كان الوضع عليه.

وفى يوليو 2017 وبمناسبة مرور 65 عامًا على ثورة 1952 تم افتتاح أكبر قاعدة عسكرية في مصر والشرق الأوسط، وقد سميت باسم اللواء محمد نجيب.

"نقلا عن العدد الورقي.."...
الجريدة الرسمية