رئيس التحرير
عصام كامل

القضاة الشرفاء وتطهير القضاء


فى الدول العظمى نجد القضاء هو الملاذ لكل مظلوم، فالقاضى حين يجلس على مقعده لا يرى سوى القانون أمامه ليطبقه بحذافيره دون وضع أى اعتبارات سياسية، لذا كانت صورة العدالة دائماً معصوبة العينين..

 
والحقيقة أن القضاء المصرى طوال فترة وجوده حاول الحفاظ على هويته واستقلاله حتى قرر السادات إقحامه فى اللعبة السياسية بكل ما تحمله من قذارة، وذلك حين اكتشف أن القضاء لا يساير النظام فى توجهاته، خاصة بعد انتفاضة يناير 77 والتى أكد فيها القضاء مسئولية الحكومة وقراراتها الاقتصادية فى اندلاع أحداث الانتفاضة، فجاءت محاولات السيطرة على مؤسسات القضاء عن طريق السماح لضباط الشرطة والعسكريين بكل ما يحملون من أساليب غير آدمية وظلم للمواطنين بالالتحاق بسلك النيابة العامة تمهيداً للوصول لسدة القضاء، ما ترتب عليه أن أصبح نصف عدد العاملين بهذه المؤسسة العريقة هم ذوو الطابع الشرطى والعسكرى، وأكمل مبارك محاولات السادات فى تحويل المؤسسة القضائية إلى هيئة تابعة له فقام بتوريط بعض أعضاء المؤسسة القضائية فى ممارسات غير قانونية من الوساطة والمحسوبية لتعيين أبنائهم وأبناء رجال المال والأعمال والسلطة الحاكمة وإهدار حق من هم أكثر جدارة فى التعيين.

كانت تلك المحاولات ممنهجة للغاية من أجل الاستحواذ على أوراق التأثير المباشر وغير المباشر على أعضاء الهيئة القضائية وجعل القضاء جهة قابلة للابتزاز من قبل السلطة الحاكمة وأعضائها، سواء فى قضايا تمس تلك القيادات أو رغبة الحكومة فى توجيه بعض الأحكام بما يخدم مصالحها السياسية..

وبالرغم من كل تلك المحاولات ظل التيار الرئيسى للهيئة القضائية المصرية يحاول مستميتاً فى الحفاظ على هويته واستقلاليته، وهو ما ظهر فى انتفاضة القضاة 2005 وحركة 14 مارس التى طالبت بإصدار قانون استقلال القضاء والتمكين من الإشراف الكامل على كافة الانتخابات، وغيرها من مطالب الإصلاح التى نادى بها الشعب مراراً..

والآن.. وبعد ثورة يناير التى أخرجت الفئران من جحورها تنبح كالكلاب الضالة.. وبعد أن تولت جماعة الإخوان المسلمين مقاليد الحكم نجد النظام الحاكم الجديد يعلن نيته فى تطهير القضاء فيرسل المرتزقة للاعتداء على القضاة أمام ناديهم قاصدين إرهابهم، ويقيل النائب العام بشكل مخالف للدستور والقانون ويعيين نائبا جديدا يتماشى مع فكر السلطان!، ويضع قرارات متضاربة تؤدى لإضراب القضاه(الشرفاء)عن ممارسة أعمالهم، ونجد حصاراً لدار القضاء العالى، مما يمنع المحامين والقضاة من ممارسة أعمالهم.. والمثير للاشمئزاز أننا نجد مطالبات من أنصار الشيخ حازم أبو إسماعيل بتعيينه كـ نائب عام (محامى للشعب)!!

من الرائع أن يتم تطهير القضاء ولكن، أهذا هو التطهير؟ أن نستبدل من ليسو على هوانا بمن يسايرون أفكارنا؟

وعن أى قضاة نتحدث؟ هل نتحدث عن أؤلئك المتآمرين على حرية الشعب المصرى والفاسدين حقاً.. أم عن الوطنيين ذوى الرؤى الواضحة والمناهضين لكل أشكال الظلم؟ وكيف سنحاسب أحدهما دون الآخر؟

إلى متى ستظل المؤسسة القضائية العريقة رهن تحجر عقلية السلطة الحاكمة وسجينة الأحداث السياسية؟  متى سنعلن الاستقلال الحقيقى للقضاء ليكون بالفعل ملاذنا من كل ظالم؟

لا أعلم.. ولكن أتمنى وضع سياسات فعلية تحقق تطهيرا حقيقيا للقضاء وتوفر له بيئة نظيفة يستطيع تحقيق العدالة فيها وإلا.. ستكون العواقب لا تُحمد عقباها.
الجريدة الرسمية