رئيس التحرير
عصام كامل

«رعاية التصدير» في مصر خاضع لإسرائيل وقطر وتركيا!


في الوقت الذي لا تزال فيه اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار الجديد لا تزال متعثرة توقف كثيرون في مؤتمر الشباب الأخير بالإسكندرية أمام تصريح للرئيس بعد الفتاح السيسي يحذر فيه من مخططات ضرب الدول من الداخل والسعي لإفشالها، ومن أبرز تلك الخطوات سعي دول معادية للاختراق الاقتصادي، ولعل هذا ما انتبهت له مصر مؤخرا فحرص مجلس النواب على تنبيه الأجهزة المسئولة إلى مخاطر المخططات الأجنبية في قانون الاستثمار الجديد على صياغة مادة (رقم 69 ) تنص على حظر بعض الأنشطة في المناطق الحرة التي ترتبط بالأمن القومي للبلاد.


وقد تواكبت تلك المستجدات على مستوى القيادة السياسية والنواب مع إصدار إحصائيات رسمية تبين أنه بعد التعويم والإصلاح الاقتصادي زاد التصدير في النصف الأول من 2017 مليار دولار وفي المقابل تم تقليص الاستيراد بمعدل 10 مليارات دولار، فهل لنشاط التخصيم في مصر وفي بعض الدول العربية وهو نشاط حديث نسبيا دور في إعاقة التصدير لصالح أطراف أجنبية؟ ولماذا لا يستفيد المصدر من تحرير العملة كما ينبغي؟ أصابع الاتهام أشارت إلى نشاط أجنبي يسيطر على أكثر من 80% منه أجانب بعد أن ابتعد عنه الشريك المصري، نظرا لمخالفته القانون المنظم لعمله، وتورطه في عمليات تزوير شيكات ضد مصدرين مصريين مما دفع البعض للمطالبة بتدخل وزارة الاستثمار لتفعيل رقابتها ولوائحها.

وكان خبراء في الاقتصاد قد طالبوا بإعادة النظر في جدوى اللوائح المنظمة لعمل شركات التخصيم في مصر بعد مرور عشرين عاما على منح الترخيص لأول شركة في هذا المجال لحيثيات من بينها تعدد الأجهزة الرقابية على أنشطة القطاع المالي ومن ثم عدم وجود تنسيق بينها، مما جعل الرقابة غير كافية، مع الوضع في الاعتبار أنه لا يتم فعليا تطبيق النموذج المتاح في مصر حاليا وهو التخصيم دون حق الرجوع، حيث تتحمل شركة التخصيم المسئولية الشاملة عن الالتزامات المالية للمشترى، رغم أن شركات التخصيم تحقق أرباحها عن طريق فرض عمولة على إدارة عملية التحصيل وعن طريق تحميل فائدة قدرها 2%- 4% في الشهر على أي مبالغ نقدية تدفع مقدما.

اللافت للنظر أن عناصر من مجلس إدارة أول بنك أجنبي يملك بالكامل شركة تعمل في هذا النشاط في مصر سبق له العمل في بنك لئومي الإسرائيلي لمدة 4 سنوات متواصلة من 2005 إلى 2009، وهو ذات البنك الذي تم ترشيح جنرال إسرائيلي (له ثأر شخصي مع مصر خلال حرب أكتوبر) لرئاسته، بعد أن تولى نفس الجنرال رئاسة شركة طيفاع الإسرائيلية التي أبرمت مع البنك الأجنبي صفقات في ليبيا في وقت أحداث الثورة، وهو الجنرال شلومو يناي الذي خرج من الجيش الإسرائيلي برتبة رئيس أركان وسبق أن رشحه نتنياهو لرئاسة الموساد إلا أن الجنرال رفض مطالبا بمنصب رئيس الأركان. وهو ما يفسر قيام نشاط التخصيم بدعم ديون جنود الجيش الإسرائيلي بمبالغ كبيرة تشجيعا لانضمام عناصر جديدة للجيش الإسرائيلي حتى من غير الإسرائيليين نظير الإغراء المالي.

يذكر أن عناصر قطرية -وفقا لخبراء- تقف وراء هذا النشاط في مصر وفي بعض الدول العربية، فضلا عن أن نشاط التخصيم لا يشغل أيدي عاملة، بل يقوم على "شراء فواتير"، لكن ما حدث بشكل مريب في مصر هو إجبار المصدرين على شراء مكونات من موردين مشبوهين تعمدوا إرسال عينات بها عيوب تسيء للمنتج المصري وبالتالي رفضها الجانب المصري، ولم يتم استلام أية بضاعة وتوقفت عملية التصنيع والتصدير. ومن العناصر القطرية التي تدير هذا الملف مدير حالي في البنك الأجنبي (مالطي) المالك لنشاط التخصيم وسبق له أن تولى موقعا قياديا في (QNB) "بنك قطر الوطني" الذي استحوذ بدوره على بنوك تركية مما يصعِّب عملية التعقب في حالة التورط في عمليات ضد المصدرين المصريين.

مع ملاحظة أن شركة طيفع الإسرائيلية مثل بنك لؤمى مدانة بالفساد وغسيل الأموال بمبالغ تتجاوز الملايين من الدولارات في الولايات المتحدة والمكسيك وروسيا وأوكرانيا ولقد وصلت على سبيل المثال إلى تسوية مع سلطات الولايات المتحدة لتدفع 519 مليون دولار بعد أن أنهت مفاوضات مع الحكومة الأمريكية بانتهاك حظر الفساد في الدول الأجنبية. وكانت تل أبيب قد عينت جنرال يدعى "إيلى هورفتيس" كرئيس للشركة الإسرائيلية طيفاع وقد شارك الجنرال في كل الحروب ضد مصر وتولى بعد ذلك بنك لؤمى.

وفي 2 أغسطس 2016 استحوذت الشركة الإسرائيلية على شركة اكتفايس الشريك الأساسي للطرف المالطي الذي يعمل كواجهة في مصر لنشاط التخصيم. وبشكل مواز استحوذ فيه المالطي في مطلع أبريل من العام الحالي في مصر على 100% من أسهم الشركة الأولى في سجل هذا النشاط في مصر والمسيطرة على 20% من نشاط التخصيم في مصر. مما يعني أن أكثر من 80% من نشاط التخصيم في مصر صار في قبضة شركاء إسرائيليين وقطريين.

ومن النماذج على تضرر الاقتصاد المصري من خروج هذا النشاط عن اللوائح المنظمة لعمله حالة صدرت في العام السابق لاقحام نشاط التخصيم في مصر بمجال تكنولوجيا المعلومات للاتحاد الأوروبي بعملة صعبة تقدر بنحو 59 مليون دولار، و20 مليون يورو، وبما يعادل 518 مليون جنيه أيضا لدول عديدة، ودفعت عنها ضرائب لخزينة الدولة، فضلا عن عدم اضطرار السوق المصري للاستيراد، ثم تم إيقاف التصدير بعد عدة محاولات أجهضها البنك المركزي والقضاء المصري، بسبب ضمانات لم يتم تسجيلها في العقود بين شركة التخصيم الأجنبية وبين المصدرين كما نص القانون..وهو ما دعا نائب سكندري في البرلمان هو النائب أبو العباس فرحات محمود تركي للتصريح بأنه سيعد طلب إحاطة في البرلمان بناء على المستندات المتوفرة يطلب فيه من وزيرة الاستثمار سرعة دراسة هذا الأمر والتصدي لأية مخاطر يتعرض لها الاقتصاد المصري.

وكان بلاغ تحت رقم 7237 عرائض النائب العام قد كشف أن شركات تخصيم عاملة في مصر خالفت الضوابط التنظيمية والرقابية لنشاط التخصيم بأن يكون التعامل نشأ عن معاملات تجارية مرتبطة بنشاط البائع والمدين، وليست ناشئة عن معاملات خاصة أو ناتجة عن معاملات تمويل نقدي “المادة٤ – بند ١”، وفق ضوابط الهيئة العامة للرقابة المالية. ولفت الانتباه إلى أنه بالإضافة للشركة المملوكة للجانب المالطي توجد شركة أخرى تعمل في مصر مملوكة بالكامل للبنك الأهلي القطري QNB (تحتكر ٦١.٣٠ ٪ من الحصص السوقية لشركات التخصيم).

ووفقا للبلاغ فإن المادة الثامنة من الضوابط التي تتضمنها عقود التخصيم تنص على حماية المصدر بأحكام رادعة ضد شركات التخصيم ولا تلتزم بها معظم الشركات، بجانب سوء استخدام الحق والتعسف في التعامل مع الشركات المصرية المصدرة. فهل يتم تلافي مثل هذه الثغرات الخطيرة الساعية للتدمير من الداخل في اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار حين تصدر؟ وما سر التأخير وعدم إجراء حوار مجتمعي موسع مع خبراء حتى تاريخه؟.
الجريدة الرسمية