رئيس التحرير
عصام كامل

العناد.. نظرة في طريقة تفكير الرئيس!


إذا كان العناد نقيصة في الشخص العادي، عندما يتخذ قرارات فردية، تمسه أو تمس محيطه في الأسرة والعمل، فإنه رذيلة كريهة، بل خطيئة سياسية ذات أثر وخطر على المستوى الوطني. بالمقياس ذاته، يمكن القول إن الهرولة داء وعيب خطير في أي شخص يتعجل استخلاص النتائج، ويسارع باتخاذ القرار الخاطئ، في حياته المهنية أو العملية أو العائلية، وهي، الهرولة، أشد خطرا في حالة ممارسة مهام عمل قيادي، رئاسي لدولة، لجيش، لشركة، لجامعة، لبرلمان، وما إلى ذلك.


لا العند مطلوب، ولا اللهوجة ولا الهرولة مطلوبة إذن، وفي التاريخ القريب والبعيد عبرات ودروس مكتوبة بالدم والحسرات، لقادة في حياتنا، وفي حياة العالم، تشبثوا كالمستميت بما في عقولهم من عقائد وأفكار دينية أو سياسية. كان معروفا عن الرئيس الأسبق حسنى مبارك البطء الشديد في اتخاذ القرار، والتأني المؤلم والمضجر، وربما يصدره في نهاية الأمر، فيكون صحيحا، مثل اختياراته لرجال الدولة في مناصب عديدة، كثيرون منهم عادوا للعمل العام لكفاءاتهم، ربما لا يصدره على الإطلاق، فتنطلق الشائعات والتكهنات، حتى كان الناس يقولون لا تحبذوا فلانا عند الرأي العام حتى لا تحرقوه، والتعبير الأخير قصد به أن تعاند القيادة السياسية فتأتي بغيره على عكس التوقعات.

كان ذلك منهج تفكير، ربما اصاب وربما أخطأ، وما بين الصواب والخطأ شاعت واستقرت فكرة أن الرئيس الأسبق مبارك عنيد ونقل عنه ضمن تراث التشويه الأسود فيما بعد الخامس والعشرين من يناير أنه قال لأحدهم إنه حاصل على الدكتوراه في العناد، وأحدهم هذا ذكر ذلك للصحف ضمن موجة وهوجة تقديم أوراق الاعتماد لأعمدة وقادة نظام الإخوان والبرادعية المهجن الذي كانت ملامحه آخذة في التشكل على الأرض المهتزة وقتها بالغضب العارم.

مع الفرز والتحليل، وبعد خروج الرجل من السلطة، ثبت أنه تراجع وخضع لمطالب الناس في الميادين، لكن الجماهير في غضبتها العامة العارمة، لا تشبع عادة، فثوران غريزتها لا يسكته إلا التهام الجسد كله حتى الإصبع الصغير! وهكذا ارتفعت وتصاعدت المطالب من إقالة حكومة نظيف إلى طرد الرئيس ذاته، رغم أنه استجاب! لم يعاند، هذا صحيح، لكنه تباطأ أو تلكأ أو تأخر كثيرا، أو اضطر أخيرا رغم علمه، ربما، بأن ما في الشارع تدبير إخواني أمريكاني لا راد له.

في الزمن القريب أيضا، سنري نموذج الرئيس العراقي صدام حسين، وهو مثال كامل لحالة استغراق في التلذذ بممارسة العناد، فقد أخذ يناطح الدنيا التي اجتمعت عليه، وقرر أن يحارب جيوش العرب والعالم، ورغم المناشدات والتوسلات والتبصيرات، استمر على موقفه، وقاده دماغه الناشف إلى الهزيمة مرتين، مرة في تحرير الكويت، ومرة في احتلال العراق ذاته وشنقه هو نفسه مع أذان فجر عيد الأضحى المبارك!

محمد على باشا مؤسس مصر الحديثة كان نموذجا أيضا في صلابة الرأي، وبسببه توسع في الفتوحات وناهض أوروبا فاجتمعت عليه وهزمته وفرضت شروطها، وجمال عبد الناصر كان العناد أداء تجسد جذابا مخاتلا مختالا، حتى غزت الشعب ذاته نقيصة العناد، وانكسرنا على هزيمة الخامس من يونيو عام ١٩٦٧. أما السادات فنموذج رائع للمرونة السياسية المنتجة لآثار ونتائج عسكرية ووطنية ناجحة وتاريخية.

وماذا عن الرئيس السيسي؟! كيف ينظر إلى قراراته، هل يراها الحق الصحيح المطلق؟ هل يراجعها، وهل يتراجع عنها؟ هل هو ممن تأخذه العزة بالخطأ، أم ممن يهرولون إلى التصحيح؟

يمكن القول برؤية إن نموذج تفكير رئيس الدولة لايزال في طور التبلور، ولا يجوز لذلك الحكم بأنه عنيد متصلب أو مرن متهاون. ومع ذلك أيضا فإن الشواهد والمتابعات تشير إلى أن الرئيس قرأ التاريخ وتأمله، واستوعب دروس المكابرة، وأن الجمهور إذا غضب انقلب، تماما كما يحدث في مدرجات الملاعب. ونظن أنه يتبنى سياسة معاوية في الإبقاء على تلك الشعرة السحرية التاريخية. مابينه وبين الناس شعره إن شدوها أرخاها، وإن أرخوها شدها، فلا يقطعها أبدا.

شعرة معاوية هي نموذج الاتصال السياسي الناجح المعمول بها في عصرنا الحالي رغم تاريخها البعيد. في الثوابت الوطنية يشد الرئيس الشعرة حتى منبتها، لأن البديل لا يقبله وطنى غيور بالطبع، ومن ذلك الحرب على الإرهاب، والحرب على الفقر، والحرب على العشوائيات، والحرب على سياسة الدعم الأبدي، والحرب الدبلوماسية النشيطة على جبهات تركيا وقطر وغيرهما. في الداخل، تهرول الحكومة، وتبادر إلى تنفيذ سياسات تضرب بطون الشعب وعظامه، البطن هي الطعام والعظام هي السكن، ويتدخل الرئيس ليهدئ الخواطر ويجبر النفوس الحزينة المكسورة. خذوا الوراق نموذجا.

بعد هجمة البلدوزر وقوات الأمن على الجزيرة في الفجرية، تراجعت البلدوزرات، وتقدمت لغة الحوار، وبنفسه تحدث رأس الدولة إلى أهالي الجزيرة عبر مايك فتحه اللواء الهمام كامل الوزير، وكان في اجتماع طمأنة معهم ووضع حلول عملية فورية لمخاوفهم، وكان لكلام الرئيس مفعول السحر في النفوس التي كانت مشحونة، وأرضا خصبة لسموم الإخوان!

الحنان كلمة أثيرة في خطاب السيسي العاطفي مع الشعب، سمعناها منه في بيانات الجيش وقت الصراع الدامي مع عصابة الإخوان، ورأي الناس هذا الحنان دموعا في عيون الرئيس في مناسبات كثيرة جدا، وعلموا أن الرجل دمعته قريبة. الوجدان الخصب الثرى بالعاطفة والحنية، هو سند العقل عادة حين ينزع للشطط والتشبث بالرأي. ذلك هو طوق نجاة للحاكم وللرعية!

ومع ذلك، ينبغي أن نؤكد أنه مع ذلك، فإن السؤال هو: هل ينجو الرئيس هو نفسه من مراجعات نفوس عنيدة، وعقول متصلبة، لها حق القرب من دائرة القرار؟

الحاكم الأريب لا يقصيها كلية ولا يقبل منها ما تزينه له من دعاوى فرض الهيبة وتخويف السائبين من الشعب.

عند الغضبة ستكون وحيدا بالسفينة.
الجريدة الرسمية