حطام المستوطنات الإسرائيلية في سيناء.. الاحتلال مر من هنا «تقرير»
في منطقة فضاء بحي الريسة على أرض مدينة العريش، تتراص مبان مهجورة ممنوع الاقتراب منها أو التصوير ظل الكثير من أهالي سيناء يتساءلون ما طبيعة هذا المكان.. وبعد البحث تبين أنها لأحد المستوطنات الإسرائيلية التي تؤكد أن احتلالًا عسكريا مر من هنا.
ظلت إسرائيل طوال فترة احتلالها لسيناء من العام "1967 إلى 1982" تتعامل وكأنها ستبقى فيها أبدا، حتى بعد انتصار حرب أكتوبر والذي نجحت بواسطته مصر في تغيير الواقع على أرض سيناء، حتى بعد الحرب كانت تحاول أن تتمسك بأخر حبة رمل من سيناء، ولكن مع خروج آخر جندي إسرائيلي من سيناء باستثناء طابا- في 25 أبريل 1982 كانت القوات الإسرائيلية تقوم بهدم ونسف معظم ما قامت بتشييده طوال فترة الاحتلال، وكأنها تسعى إلى تسليم سيناء إلى مصر مجرد صحراء جرداء تماما كما تم احتلالها عام 1967، لكن تنفيذا لبعض بنود اتفاقية السلام اضطرت إسرائيل إلى تسليم مصر بعض المنشآت في حالة جيدة.
أنشأت إسرائيل خلال فترة احتلالها لسيناء 18 مستوطنة في شبه جزيرة سيناء كان لشمال سيناء النصيب الأكبر منها بـ15 مستوطنة تم إقامتهم على الخط الحدودي الملاصق بين رفح المصرية والفلسطينية، وفي مدينتي العريش وبئر العبد، كان أكبرها إقليم ياميت بمدينة رفح المصرية بشمال سيناء، الذي ضم العديد من المستعمرات داخله، بالإضافة إلى أربع مستعمرات أخرى أقامتها إسرائيل على طول خليجي العقبة والسويس، تم إخلاء آخرها في أبريل 1982 م؛ تنفيذًا لاتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل
" ناحال يام "
تعتبر من أولى المستوطنات التي أقامتها إسرائيل في شمال سيناء، بعد حرب عام 1967، حيث أقيمت المستوطنة على شاطىء مدينة بئر العبد بالقرب من قرية "مصفق" على بعد 40 كيلو مترا من مدينة العريش، كانت مستوطنة شبه عسكرية كان عمل المقيمين فيها من فرق "الناحال" التابعة للجيش الإسرائيلي هو صيد الأسماك من بحيرة البردويل، والتي كان مهامهم الوحيد هو صيد الأسماك من بحيرة البردويل والتي كانت عبارة عن مخيمات للجيش للجيش كبيرة ومنصوبة على ساحل البحر وبجانبها اثنين من المباني ويحيط الخيام أشجار الكينيا والكثبان الرملية.
كان العاملون في المستوطنة يمكثون 8 ساعات في صيد الأسماك بإنتاج 30 طنا من الأسماك سنويًّا، وأنشأت الوكالة اليهودية في المستوطنة محطة تحلية مياه بحر متطورة في ذلك الوقت لخدمة عمليات الري الزراعية والاستخدامات المنزلية للمستوطنين.
" نئوت سيناي "
أقيمت هذه المستعمرة على بعد نحو خمسة كيلو مترات شمال شرقي مدينة العريش. فوق تبة عالية تطل على ساحل البحر المتوسط مباشرة، وكانت في بدايتها عبارة عن معسكر حربي ثم أُعلنت كمستعمرة في عام 1972 م، وفي بداية عام 1978 م انضم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق (مناحم بيجين) كعضو شرفي في هذه المستعمرة.
وإلى جوار هذه المستعمرة كانت تقع منطقة زراعية تبلغ مساحتها 2000 دونم يعمل بها سكان المستعمرة، وتُعد هذه المنطقة الزراعية أول أرض تسلّم لمصر ضمن الأراضي الواقع عليها إقليم ياميت؛ لوقوعها قبل خط الانسحاب الأول.
تكوين المستوطنة الباقي حتى الآن، عبارة عن منازل صغيرة خشبية لها أسطح حمراء مبنية على تبة مرتفعة من الكثبان الرملية ولها مدخل طويل مزروع على جانبيه الأشجار، ضمت المستوطنة في محيطها قرابة 500 فدان من الأراضي التي استصلحت في الزراعة.
شكّل الانسحاب الإسرائيلي من المستوطنة أزمة كبيرة بسبب وقوع أجزاء منها داخل الأراضي المصرية خاصة الحقول الزراعية للمستوطنة وأجزاء أخرى داخل سيطرة إسرائيل قبل انسحابها، ما عرف حينها بخط التماس الأول بين مصر وإسرائيل عام 1979، حتى أن وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك "عيزرا وايزمان" حاول إقناع المستوطنين بالخروج ولكن تم رشقه بالخضروات.
ياميت.. مستعمرة ربع المليون إسرائيلي
يُعد أكبرَ تجمع استعماري تقيمه إسرائيل في سيناء، وكان يقع في شمال سيناء ويطل على البحر الأبيض المتوسط كان يُطلق عليه أيضا (بوابة رفح) ويضم 15 مستعمرة كان أكبرها مدينة (ياميت). وكانت إسرائيل تخطط للإبقاء على هذا الإقليم الاستعماري تحت سيادتها وعدم تسليمه لمصر عقب توقيع اتفاقية السلام إلا أنها لم تتمكن من فعل ذلك، ويضم ذلك الإقليم عدة مستعمرات.
مدينة ياميت (المدينة البحرية):
أقيمت في منتصف السبعينيات، وكانت مركزًا لإقليم (ياميت) الاستعماري، لذا حمل الإقليم نفس اسمها، وكان الهدف من إنشاء هذه المدينة إحداث تواصل إقليمي بين سيناء والنقب، وعزل قطاع غزة عن شمال سيناء وجاء إنشاؤها ضمن خطة "المستعمرات المحيطة بغزة" والتي تضمنت إحاطة قطاع غزة بالتجمعات السكنية الإسرائيلية -مثل عسقلان في الشمال وبئر سبع من الشرق وياميت من الغرب- وذلك بهدف محاصرة القطاع والحد من توسعه.
وكانت إسرائيل تخطط لجعل مدينة ياميت مدينة ضخمة يصل عدد سكانها مع بداية القرن الحادي والعشرين إلى ربع مليون نسمة، بالإضافة إلى إنشاء مرفأ بحري ضخم بها لتصبح ثالث أكبر مدينة ساحلية لإسرائيل بعد كل من تل أبيب وحيفا.
مستعمرة سادوت (الحقول):
تُعد أولى البؤر الاستعمارية التي أقيمت في إقليم (ياميت)؛ حيث أقيمت البنية التحتية لها في عام 1969م على أرض تمتلكها قبيلة بدوية تم تهجير أهلها من المنطقة، وأقام بها في البداية ثماني عشرة أسرة، عملوا جميعًا في زراعة الطماطم، التي كان يتم تصديرها بالكامل إلى الخارج مما جعل لهذه المستعمرة أهمية اقتصادية بالغة بالنسبة لإسرائيل، الأمر الذي شجّع على إقامة باقي مستعمرات الإقليم تباعًا كما اكتشفت إسرائيل آبار نفط بجوار هذه المستعمرة أطلقت عليها حقل "سادوت" النفطي وتم إخلاء هذه المستعمرة في عام 1981م وكان عدد سكانها قد وصل آنذاك إلى 64 أسرة، تقوم بزراعة 1500 دونم من الأراضي الزراعية.
مستعمرة خروبيت (شجرة الخروب):
أقيمت مستعمرة خروبيت في عام 1975 م، واكتشفت إسرائيل بجوارها موقعًا أثريًّا يرجع إلى عصر المملكة المصرية الحديثة.
كما تضمّن إقليم ياميت مستعمرات أخرى صغيرة هي: عتسمونة (العظيمة). نتيف هاعسرة (طريق الوصايا العشر). دكلا (النخلة). بري إيل (ثمار الرب). بري جان (ثمار الجنة). تلمي يوسف (رياض يوسف). أوجدا (الرابطة). نير إبراهام (نور إبراهيم). حيتسير آدار (فناء الفخامة). سوفة (العاصفة). حوليت (الكثبان الرملية).
ودمرت إسرائيل جميع مباني مستعمرات إقليم ياميت بالكامل قبل تسليمها للمصريين باستثناء مستعمرة (ناؤت سيناي) ولا تزال أنقاض مباني تلك المستعمرات موجودة بمكانها حتى الآن، ولكن لا تسمح السلطات المصرية لأحد بالاقتراب من تلك الأماكن، بالإضافة إلى مستعمرات إقليم ياميت، أقامت إسرائيل أربعة مستعمرات أخرى في جنوب سيناء وكان أهمها:
مستعمرة أوفيرا (الجميلة):
أقيمت في المنطقة الممتدة من خليج نعمة وحتى رأس محمد -منطقة شرم الشيخ حاليًا- وكانت تعتبرها إسرائيل عاصمة جنوب سيناء التي أطلقت عليها إسرائيل منطقة شلومو. وقامت وزارة الإسكان الإسرائيلية خلال الأعوام ما بين 1969 - 1975 م بتوطين ما يقرب من 500 أسرة (نحو 2000 شخص) في هذه المستعمرة، وأقامت بها عدة فنادق ومطار. وكانت إسرائيل تخطط لإبقاء سيطرتها على هذه المنطقة وعدم التنازل عنها لمصر.
وشهدت هذه المستعمرة في عام 1981 م عقد لقاء قمة أُطلق عليه "قمة أوفيرا" جمع بين الرئيس المصري الراحل (أنور السادات) ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق (مناحم بيجين). وفي عام 1982 م تم إخلاء (الأوفيرا) وتسليمها للمصريين ولكن لم يتم هدم منازلها -مثلما حدث في ياميت- حيث تم تسكين عدد من أهالي سيناء في منازل المستعمرة.
مستعمرة شلهفيت (الشعلة):
وهي مستعمرة أقيمت في منطقة "أبو رديس" المطلّة على خليج السويس بالقرب من حقول البترول، وكان يقيم بها العمال والمهندسون الإسرائيليون الذين كانوا يعملون في حقول بترول أبو رديس. وكنت إسرائيل -طوال فترة احتلالها لسيناء- قد اغتصبت بترول أبو رديس بشكل كبير، حيث كانت تلك الحقول توفر لإسرائيل نصف احتياجاتها من الوقود، كما قامت إسرائيل أيضا بتصدير كميات ضخمة من نفط أبو رديس إلى الخارج مما حقق مكاسب ضخمة للاقتصاد الإسرائيلي. وعند انسحاب إسرائيل من أبو رديس في عام 1975 م خلفت وراءها آبار النفط هذه وهي مدمرة تمامًا، وادّعت أنها دُمّرت جراء عمليات قوات الكوماندوز المصرية خلال حرب 1973 م.
المطارات
ثلاثة مطارات أنشأتها إسرائيل أثناء احتلالها سيناء، دمرت واحدا منها بالكامل قبل الانسحاب واضطرت إلى إبقاء اثنين منها في حالة جيدة وسلمتهما إلى مصر.
مطار أوفير "شرم الشيخ" حاليا
دشّنته إسرائيل في الرابع عشر من مايو 1967 م وكان يبعد نحو 20 كم عن مستعمرة (عوفيرا) التي كانت مقامة بمنطقة شرم الشيخ، وتم استخدامه كمطار مدني، بينما خُصص جزؤه الجنوبي للاستخدامات العسكرية.
وخلال حرب 1973 م وقع أول اشتباك جوي بين الطائرات المصرية والإسرائيلية بالقرب من هذا المطار حيث تمكنت الطائرات المصرية وقتها من إسقاط طائرتين إسرائيليتين طراز (F-4 فاندوم) كانتا قد أقلعتا من هذا المطار وفي عام 1976 م أقلعت من هذا المطار أربع طائرات إسرائيلية لتنفيذ عملية (عنتيبي) الشهيرة في أوغندا لتحرير رهائن إسرائيليين تم اختطافهم على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية وعقب توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، أخلت إسرائيل المطار وسلمته لمصر، التي حولته إلى مطار مدني وهو المعروف الآن بمطار شرم الشيخ الدولي.
مطار عتسيون.. ميناء طابا الدولي
هو عبارة عن قاعدة جوية أقامتها القوات الجوية الإسرائيلية بالقرب من طابا في عام 1972 م ومن أبرز الأحداث التي شهدها هذا المطار أنه استُخدم كنقطة انطلاق للطائرات الحربية الإسرائيلية التي قامت بقصف المفاعل النووي العراقي عام 1981.
وقبيل تسليم هذا المطار لمصر قامت إسرائيل بتدمير جميع منشآته ومبانيه بالكامل، باستثناء مدرج الطائرات. ولكن مصر قامت بإعادة تشغيله بعد ذلك، وهو المعروف الآن بمطار طابا الدولي.
مطار إيتام.. العريش الدولي حاليا
يُعد آخر قاعدة جوية أقامتها إسرائيل في سيناء؛ حيث دُشّن في عام 1976 م على بعد ثلاثين كيلو مترًا غربي العريش ومثّل أهمية إستراتيجية كبيرة لإسرائيل وقتها وقد قامت إسرائيل بالانسحاب منه وتسليمه للمصريين تنفيذًا لاتفاقية السلام. وهو المطار المعروف حاليًا بمطار العريش الدولي.