رئيس التحرير
عصام كامل

«بلو هول» نداهة الغواصين لوداع الدنيا في دهب «تقرير مصور»

فيتو

شاطئ «بلو هول» بمدينة دهب في شرم الشيخ يخدعك في الوهلة الأولى بهدوئه، ثم يخضعك إليه بجمال الطبيعة، وجباله الشاهقة وسمائه الصافية.

لون البحر الأزرق يكمل بأناقة هذه اللوحة الفنية التي تفتن عيون الزائرين من جميع أنحاء العالم، فيتيهون حبا وعشقا لدهب، لدرجة أنهم يتركون بلادهم ويأتون إليها ليعيشوا بها مدى الحياة.

هذا الإغراء ليس بسحر الطبيعة فقط، ولكن «بلو هول» تغري الكثيرين بتحدي الغوص في أعماق تلك الحفرة الزرقاء، كفراشة تحلق نحو اللهب غير مدركة حتفها، متناسين أنها «مقبرة الغواصين»، وأن أكثر من 190 غواصا خلال 15 عاما مضت لقوا حتفهم في محاولة استكشاف الحفرة، منهم الغواصين Dave Shaw وcheck axley.

وأكثر ما يخطف الغواصين، حتى الآن، ويجلعهم يستمرون في محاولات استكشاف «بلو هول» -أي الحفرة الزرقاء- هو مشهد القوس الذي يربط بين الثقب الأزرق والبحر المفتوح، لتكون رحلة الغواص التي تبدأ بالسباحة من شاطئ «بلو هول» إلى الحفرة الزرقاء هي أيسر الأمور بالنسبة له، ليتمتع بالمناظر الطبيعية وجمال المياه الزرقاء مع تكوينات الضوء وألوان وبهجة الأسماك البحرية في لهوها.

ويقع الغواصون في فخ الكهف الموجود بالحفرة، فمظهره خادع، كامرأة لعوب، تجذب إليها الجميع، ويتهافتون عليها، ويسقطون في فخها الذي نصبته لهم بإحكام، فهو يبدو أقل عمقًا مما هو عليه في الحقيقة، كما أن البقعة الزرقاء شديدة الخطورة، لأنها مجرى مائي يتخذ شكل الدائرة يبلغ طوله 90 مترا وعمقه 100 متر وقطره 50 مترا، ويوجد الموقع بالقرب من أجراس تجعل الغوص نشطًا جدًا، لذلك يجب على الغواص مراقبة استهلاك الهواء بعناية، خصوصًا مع التيارات القوية، وأن هذه الأجراس مرفقة بالشعب المرجانية لنحو 30 مترًا.

تحدي الغوص في الحفرة الزرقاء لم يرفضه غواص حتى الآن، فالتحدي يجري في عروقهم، وحب المقامرة والمغامرة لديهم لا تعرقله تجارب سابقة أو وجود جبل يأتزر بشواهد قبور الغواصين ممن دخلوا إلى الحفرة الزرقاء، ولم يرجعوا مرة أخرى، ليستقروا داخل كهفها ويتواروا تحت مياها وشعبها المرجانية.


 

 

الأمر بسيط على جبل «بلو هول»، لا يوجد قوانين دولة أو مراسم توديع خاصة أو تفرقة بين من رحلوا، أمير كان أم خفير، فكلهم في مقبرة الغواصين، لا يفرق بينهم لون أو جنس أو انتماء، نجد المسلم والمسيحي واليهودي، المصري والأوروبي والصيني والأسترالي، الجميع واحد يجمعهم حب الغوص والموت غرقا في سحر نداهة «بلو هول».







  

  

في ذكرى الأحباء، ودع الأصدقاء والعائلة دانيال مايكل ملك وصديقه طارق سعيد القاضي اللذين لقيا حتفهما خلال الغطس في 14 أبريل 1988، وزينوا الشاهد بأبيات من قصيدة المواكب لجبران خليل جبران، مع استبدال كلمة واحد بالأبيات، وهي البحر بديلا عن الغابات:
« ليس في البحار موتٌ.. لا ولا فيها القبور 
 فإذا نيسان ولىَّ.. لم يمتْ معهُ السرورْ
إنَّ هولِ الموت وهمٌ.. ينثني طيَّ الصدورْ
فالذي عاش ربيعًا.. كالذي عاش الدهورْ».



  

جيمس بول سميث ولد في مايو عام 1979، وتوفي في دهب عام 2003، لتكون جملته التي عاش بها حياته محبا للغوص، رسالة إلى من يأتي للـ«بلوهول»، وهي: «لا تدع الخوف يقف في طريق أحلامك»، ليودعه أصدقاؤه برسالة- أيضا - قائلين: «ستظل دائما في ذاكرتنا كابن رائع لعائلته ولأصدقائه في دهب وجيمع أنحاء العالم..لترقد روحك في سلام».



 

كارولين جوان، الفتاة الشقراء التي زينت صورتها شاهد قبرها على الجبل بابتسامة المحبة للحياة، حرصت عائلتها أن يذكروا بصماتها في الحياة ونجاحاتها، لتكون وسيلة تعبير عن أن حبها سيظل في قلوبهم، ولن يمر أحد أمام شاهد قبرها دون أن يعرف من تكون نجلتهم.



 

 

 

 

أما الغطاس العالمي ستيفن كينان، وعمره 38 عاما، من أيرلندا، وبعد أن استقر في دهب طوال سنواته الأخيرة، مؤسسا لمدرسة تعليم الغوص، كان آخر من لقوا حتفهم بالحفرة الزرقاء بعد إنقاذه لصديقته إليسيا، خلال الغوص الحر، ليرقد بجوار من سبقوه بارابارا ديلينجر وستيفان فيلدر وليزيك سيزينسكي روبرت وينك أوسكي، والعديد ممن زينت أسماؤهم جبل «بلو هول» وخلدتهم قصصهم، ورقدوا في سلام في تراب دهب الساحرة.
الجريدة الرسمية