نعمة الألم!
الألم بحسب معجم المعاني هو الوجع الشديد، وهو الحزن والأسي، وهو شعور يخالف اللذة وهو شعور بعدم الراحة والقلق والطمأنينة، وهو غالبا شعور غير مرغوب فيه، وغير محبب إلى النفس إلا أن هناك كثيرين استطاعوا التغلب عليه، بالصبر، وقوة الإرادة والتحمل، وصنعوا منه دواء رغم مرارته فإنهم استساغوه ورضوا به؛ لإيمانهم أن ذلك الأمر يعلمهم الصبر، ويكفر الذنوب، ويقربهم إلى المولى عز وجل؛ ولإيمانهم بقضاء الله وقدره، ولعلمهم أنه يرفع درجات العبد، ويجعله يعرف نعم الله عليه، كما أنه يشعر الشخص بذاته ومدى محبة الآخرين له، إضافة إلى أنه قد يكون أمرا عابرا تعقبه الفرحة والسعادة، والنجاة من الهلاك، وقصص الذين تألموا كثيرا في هذه الحياة تجعلنا نحسد بعضهم على هذا الألم، الذي لولاه لما غير حياتهم وقلبها إلى النقيض فلولا فقد "عميد الأدب العربي" طه حسين الذي كف بصره في الرابعة، لما صار أديبًا وناقدًا ومفكرًا مصريًا.
ولولاه -العمى- أيضًا لما صار أبو العلاء المعري -وهو شاعر عباسي أصيب بالعمى في الرابعة من عمره وكان (رهين المحبسين) لأنه بعدما فقد بصره، مكث في منزله واعتزل الناس- فيلسوفا ومفكرا وشاعرا له العديد من الكتب والمؤلفات في الفلسفة لعل أشهرها "رسائل الغفران" ولولا "الصمم" الذي أصيب به الأديب المشهور مصطفى صادق الرافعي في الثلاثين من عمره، لوقفت إعاقته حاجزًا في وجهه لكنه حقق شهرة أدبية واسعة.
الأمريكية "هيلين كيلر" أصيبت بالصمم والعمى والبكم في صغرها، إلا أنها تعلمت الكتابة والنطق، ودخلت الجامعة وتخرجت، ثم تفرغت للكتابة والتأليف، ولها كتب وقصص ومقالات عدة منها كتاب "قصة حياتي".
الشاعر العربي الكبير بشار بن برد، وهو شاعر عباسي من فحول الشعر في الأدب العربي، كان أعمى منذ ولادته ثم أصيب بالجدري، لكنه كان يتميز بالذكاء الشديد، وقد تعلم الشعر والأدب ونبغ فيهما، وكان إمام الشعراء في زمانه، وغيره الكثيرون.. كل هؤلاء وغيرهم تألموا فماذا كانت النتيجة؟
النتيجة أنه لولا تألمهم لما نبغ كل منهم في مجاله، ولصرنا أحوج لأمثالهم ليكونوا العبرة والعظة في الشعور بنعمتي الصحة والألم.. وأخيرًا الحمد لله على كل حال.