رئيس التحرير
عصام كامل

استعدوا للثورة.. تعديل شفرة القلب


فيما يبدو أن العقل البشري الذي نصفه حرب ونصفه حب، لا يزال لغزا مغلقا وطلسما من طلاسم الخلق الإلهي، تتكشف منه إضاءات وتجليات في الخير وفي الشر، وحيث إن الفص الخاص بالتخطيط للغل والحرب والتخريب وسفك الدماء، شغال بلا كلل ولا ملل على مدى الساعة في خدمة سيده الشيطان، ولا تورية دينية أبدا هنا، فإننا نرى تجليات الدم في مناطق القتل باسم الله وباسم الولايات المتحدة.. فص الحب هو اليوم ما يعنينا، لأنه هادئ مشجون مسكون بالتأمل والتدبر والعطاء، وتلك بالضبط بعض سمات العلماء كما هي سمات العشاق.


فالعالم عاشق والعاشق عالم، كلاهما يفنى نفسه لإسعاد الآخر.. الفارق بين العاشق والعالم يكمن في أن الأول حدد شخصا يعطيه قلبه وعمره وعقله، فهو معروف لديه مقبول مقتول فيه وله، أما العالم فإنه يمنح لمن لا يعرف من البشر عمره وعلمه وقلبه وعقله.. هو في خدمة كل البشر، أما العاشق ففي خدمة واحد من البشر.. ربما ينقلب عليه أو يتغير، لكن العلماء الذين يسعدون البشرية بتجليات العقل وعطاءات البحث العلمي، فإن مكانتهم لا تتبدل ولا تتغير.

والحق أن وراء شحنة التأمل هذه حزمة من الأخبار العلمية المفرحة، طالعتها خلال زياراتي بين آن وآخر إلى مواقع العلم والعلماء الإلكترونية في مراكز بحوث أو دوريات علمية تكون بمثابة فسحة للصدر الضيق وانفراجة للعقل وشرحة للقلب اخترت لكم أبهجها وأكثرها مدعاة للأمل.. وما أحوجنا إلى شيء يفرح ويشرح الصدر ويبعث الأمل.. فوسط أخبار المعارك والذبح والضرب والتدمير، تزف مجلة نيتشر العلمية الشهيرة بشرى طبية طيبة جدًا لمرضى القلب hypertrophic cardiomyopathy تضخم عضلة البطين الأيسر الوراثي.

ولقد رجعت في التعريف الدقيق إلى الأستاذ الدكتور جمال شعبان، طبيب القلب المعروف بالمعهد القومي للقلب بإمبابة، الذي اعتبر ذلك لو حدث ثورة طبية في علاجات القلب من شأنها منع مضاعفات ومصائب عديدة !

كيف ذلك؟! قالت المجلة المتخصصة في نشر أدق الأبحاث العلمية والمؤكدة ونقلت عنها لوس أنجلوس الأمريكية ومواقع عديدة أن العلماء ابتكروا جهازًا لتصحيح الشريط الوراثي الجنيني المصاب بتشوهات، وأنهم توصلوا بالضبط إلى الجين المشوه المتعلق بالإصابة بضعف عضلة القلب.. هذا الجين بدون الآلية الطبية الجديدة كان يستمر مع الطفل فيولد مريضًا بالقلب، أو قد يواصل حياته حتى يبلغ سن الفتوة والشباب، وفجأة تظهر أعراض ضعف القلب، وقد تنتهي الحالة بالوفاة المباغتة.

اليوم وكما يحدث حين نصحح موضوعا كتبناه، نحذف الأخطاء بسهولة، تمكن العلماء من تحديد الجين المعطوب وحذفه من الشريط الوراثي وتصحيحه بجين سليم من أجنة تم تخليقها لهذا الغرض، وبعد التصحيح ينمو الجنين المصحح شفرته، خاليا من المرض، بل الأكثر من ذلك مدعاة للسرور هو أن ذريته كلها ستخرج للحياة سليمة خالية من أي تشوهات كان هو ورثها.. ولقد نجحت هذه الآلية لإصلاح شفرة القلوب في الأجنة في علاج ٤٢ جنينا من ٥٨ جنينا تم تصحيح شريطهم الوراثي.

وقال علماء جامعة أوريجون الأمريكية للعلوم والصحة الذين طوروا الآلية الجديدة، إن أي شخص يحمل الجين المعتل لديه احتمال بنسبة ٥٠٪‏ لنقل المرض إلى نسله جيلا بعد جيل.. خطورة وأهمية هذه التقنية الجديدة أن بوسع علماء تحوير الشفرة الوراثية الآن اللعب في المقرر والمناهج الإلهية! بمعنى أنه يمكن الآن تطهير الشفرة الوراثية للآدمي وهو بعد جنين من الأمراض كافة، وبذلك نحصل على السوبرمان، وهذا طيب أو شر له عواقبه، لكن هناك وجها آخر ينبغي النظر فيه بحذر وهو أن العبث في المقرر الإلهي، ربما يستخدمه السياسيون والمغامرون في تخليق ماكينات حرب بشرية صماء المشاعر تمامًا.

وهذا هو الآن وبالضبط سبب الجدال المشتعل في الدوائر العلمية والطبية، وعلماء كثيرون يحذرون من الدخول إلى منطقة النص الإلهي في الجنين البشري.

لكنى أرى أن الدخول إلى هذه المنطقة وغيرها ما كان ليحدث إلا بعلم الله الذي يسره لمن تمكن من تصحيح شفرة المرض الوراثي، فالداء من الخالق والدواء من الخالق.. وكما أن لكل إنجاز وجهين، فإن وجه الخير هو الأعم.. يقتضى الوضع أيضًا إثارة نقاش علمي عالمي حول قيود تنظيف الشفرة الوراثية ووضع قوانين عقابية صارمة على السياسيين والاستخباراتيين الذين يأمرون بتخليق بشر من «مَكَن» قاتل والتقييد القانوني ضد المغامرين من تجار الطب، داخل المهنة المقدسة أو من خارجها بإغراءات أصحاب المليارات !
هذا بعض ضئيل مما يجري حولنا في العالم ويضيء، بينما نحن نجري في مكاننا عشرات السنين نتعفن من الجمود، ونفتي مَن كافر ومَن مؤمن، وهل أكل المرأة لصباع موز يتضمن إثارة جنسية؟ سحقًا للأغبياء.
الجريدة الرسمية