هل تحتاج مصر لتغيير نظام التعليم؟
لا يمكن لأحد أن ينكر الرؤية الطموحة للدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، وآماله في تحقيق مستوى تعليمي لائق لطلاب مصر.. بعض التعديلات على نظام التعليم جيدة، ولكن لأن التعديل يتم على جزء من مكونات النظام وليس النظام كله فإن نجاح نظام التعليم الجديد موضع شك.. وحتى يكون تقييم نظام التعليم الجديد علميا دعوني أستعرض بشكل مبسط مكونات نظرية النظم أو Systems Theory.
النظام في مفهومه البسيط هو "مجموعة من الأجزاء أو النظم الفرعية التي تتداخل العلاقات بين بعضها، وبينها وبين النظام الذي نظمها، والتي يعتمد كل جزء منها على الآخر في تحقيق الأهداف التي يسعى إليها هذا النظام الكلي".
ويتكون النظام من مجموعة من العناصر هي: المدخلات Input، والمخرجات Output، والعمليات Process، البيئة المحيطة بالنظام Environment، ورجع الصدى Feedback.
وحتى يفهم للقارئ ما يحدث في نظام التعليم الجديد فإن اقتراحات الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم، تتعلق ببعض المدخلات كالمناهج، وتركز بشكل كبير على العمليات أو Processes، وهي التي ستشهد تحويل الثانوية العامة من التقييم الذي يستند إلى امتحانات السنة النهائية للمرحلة الثانوية إلى تقييم تراكمي للطالب خلال دراسته للثلاث سنوات وتغيير نظام التعليم الفني.
مشكلة التعليم في مصر ليس في إحداث تغيير على "العمليات في النظام" ولكن في مدخلات النظام والبيئة المحيطة به أو البيئة المرتبطة بالنظام.. ولم يأت الدكتور طارق شوقي بجديد حينما قرر الاستعانة بالتقييم التراكمي في الثانوية العامة، فمنذ فترة ليست بالبعيدة تم تطبيق امتحان الثانوية العامة على عامين بدلا من عام واحد ظنا من الوزارة والوزير وقتها أن ذلك سيخفف الضغط على الطلاب والأهالي فتضاعف الضغط على الأهالي والطلاب والأمر سيتكرر طالما يتم تغيير نظام التعليم دون تغيير جميع مكوناته.. ولأن الوزير يعرف أن نظام الثانوية العامة الجديد سيعطي زخمًا أكبر للدروس الخصوصية قرر سيادته تقنينها وشرعنتها.
من المحزن أن يتم التعامل مع قضية التعليم في مصر على طريقة إعلانات "بنغيّر وبنطوّر" أو "بنبني ونعلّي".. وحتى يفهم القارئ لب المشكلة فإن تغيير نظام التعليم أو حتى قلبه رأسًا على عقب أشبه في الحقيقة بتغيير قواعد "لعبة إلكترونية" على أجهزة تابلت بطيئة مع مستخدمين معظهم ليس لديهم شاحن وفي أمكان معظمها لا يوجد بها مصدر للكهرباء.
التعليم في مصر لن يتقدم إلا بالتركيز على البيئة المرتبطة به وذلك من خلال التأكد من وجود عدد كاف من المدارس المجهزة ببنية تحتية سليمة وبكثافات طلابية تتناسب والمعدلات العالمية، وبإمكانات تكنولوجية يستطيع الطالب استخدامها ومتوفرة لجميع الطالب، وبمدرسين مؤهلين علميا وتكنولوجيا ونفسيا.. التعليم في مصر في حاجة لتأهيل طلاب المدارس قبل دخولهم المدارس بشكل يحقق الهدف المرجو من العملية التعليمية.
لو استطاع الدكتور طارق شوقي تغيير بيئة التعليم بشكل كامل والتركيز على الطالب لاعتبرته حقق ثورة في التعليم في مصر وليس فقط تغييرا في نظام التعليم.. أعرف أن الدكتور طارق شوقي يسعى لتطوير المعلم من خلال برنامج "المعلمون أولا" لكن سؤالي في المقال السابق كان عن طبيعة المدارس التي يشملها المشروع وعدد المدارس "الحكومية" التي يشملها البرنامج، إن وجدت.. فالبرنامج قائم على المدارس التجريبية وليس المدارس الحكومية العادية.
ولكن لأن تغيير بيئة التعليم بشكل كامل يتطلب أموالا تفوق قدرة الدولة، وهو أمر لن يتمكن الدكتور طارق شوقي من تحقيقه أو دعوني أقول "الإمساك" به، فإن وزير التعليم قرر "مسك" النظام وتغييره.
يذكرني تغيير نظام التعليم بموضوع جودة التعليم الجامعي الذي هو حلم منذ عهد الرئيس مبارك.. فما هو حال الجامعات الحكومية في مصر حاليًا؟ وأين ذهبت "بعض" أموال برامج جودة التعليم؟ ذهب بعضها على الدورات الهزيلة التي كان يتم إجبار أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم على حضورها في حين لا يوجد بقاعات المحاضرات ميكروفونات ولا أجهزة عرض بصرية ولا حتى مقاعد سليمة ليجلس عليها الطلاب.. وقتها قررت الدولة "مسك" عضو هيئة التدريس بينما كان توفير الإمكانات له أهم من الدورات النظرية عديمة القيمة.
هناك دول متقدمة لم يتغير نظام التعليم بها منذ عقود فهي لا تسعى لتغيير النظام بقدر ما تسعى لتطوير وتحديث بيئة النظام والتأكد من أن مدخلات النظام "الطالب والمدرس" مؤهلان بشكل جيد لتحقيق أهداف العملية التعليمية.
هناك تفاصيل صغيرة في العملية التعليمية ولكنها أكثر تأثيرا من تغيير نظام التعليم ومن بينها أزمة الدروس الخصوصية التي قرر الوزير إعطاءها الشرعية، ومن المؤكد أن "سناتر" الدروس الخصوصية ستقوم "بتوفيق" أوضاعها وفق الشرعية الجديدة أيا كانت طبيعتها، وكيف لا وهي كانت تعمل "على عينك يا تاجر" وبشكل غير قانوني، ودمتم.