رئيس التحرير
عصام كامل

قصة صراع ثورة 30 يونيو مع إمبراطورية الإخوان الاجتماعية.. الجماعة استغلت «انفتاح السادات» وأسست مخالب تنافس الدولة في الرعاية.. لقنت الأطفال الولاء لها في مدارسها.. والثورة تحبط مخطط استقطاب

 ثورة 30 يونيو -
ثورة 30 يونيو - صورة أرشيفية

قبل ثورة 30 يونيو، كانت تركة جماعة الإخوان الاجتماعية ضاغطة على جميع الأنظمة، التي استلمت راية حكم مصر؛ بداية من مبارك حتى من تقلدوا الحكم من خلفه، في أعقاب أحداث ثورة 25 يناير.


ولجأت الجماعة لتوفير سلسلة خدمات للمواطن الفقير، بدءًا من الغذاء مرورا بالعلاج، وتعليمه بفضل الشبكات الاجتماعية، التي أسستها الجماعة، منذ سبعينيات القرن الماضي، وتدرجت تلك المؤسسات في القوة، إلى أن باتت دولة داخل الدولة، تهدد المنافسين السياسيين، وتجيش المشاعر بخدماتها الطبية والإنسانية لصالح المشروع السياسي للإخوان؛ وهو الأمر الذي شكل جهدا مضاعفا، بعد مصادرة هذه الأذرع، التي طالما مدّت الإخوان بالقوة، في مواجهة جميع خصومها.

جيش الإخوان
في سبعينيات القرن الماضي، حرص أبناء هذا الجيل، على تدشين شبكة خدمات اجتماعية تكون عونًا لهم في إعادة الصورة الذهنية الرائدة للجماعة؛ التي دمرتها الصراعات السياسية مع نظام عبد الناصر، واستطاعت الإخوان استغلال «انفتاح السادات»، الذي بدأ أولى خطوات الدولة، للاعتماد على ما يسمى باقتصاد السوق الحر؛ ومع الآليات الخاطئة في تطبيقه توسعت الفجوات بين الطبقات الاجتماعية، وهو الأمر الذي جعلها، ومن خلفها الجماعات الإسلامية، تسعى للتقرب اجتماعيا وإنسانيًا من المصريين.

ثروة الجماعة
خلال عقود، توحشت هذه الثروة الاجتماعية، وأصبحت من أهم منطلقات شعبية الإخوان، خاصة في الأحياء الفقيرة والقرى النائية بالمحافظات، إلى أن حدث الصراع المفصلي للإخوان مع مؤسسات الدولة، في أعقاب عزل مرسي، ولجوء الجماعة إلى العنف والتحريض، ونتج عن ذلك إصدار حكم تاريخي في سبتمبر من عام 2013، من محكمة القاهرة للقضايا المستعجلة، الذي اعتبر جماعة الإخوان منظمة إرهابية.

أربك الحكم الإخوان بشدة، ووضعها تحت مقصلة الدولة، وكان ضمن تبعات هذا الحكم تشكيل لجنة لإدارة الأصول الثابتة والمادية للجماعة، وصدر أول تقرير لها متضمنًا قائمة بـ «1142» كيانًا منتشرًا في جميع محافظات مصر، سواء كان تابعا بشكل مباشر للإخوان، أو مستقل بشكل ظاهري، لكن الجماعة هي التي تديره من خلف الستار، وتحكمها في الجمعية الشرعية وأنصار السنة، مثال على ذلك.

87 مدرسة
في مرحلة لاحقة، أصدرت اللجنة أيضًا قائمة أخرى، بـ87 مدرسة، قالت إنها تابعة للجماعة، وعلى الفور خضعت تلك المؤسسات والمدارس للتجميد الفوري لأصولها عقب ثورة 30 يونيو، وكانت هذه الإجراءات كفيلة بالحد من نفوذ الإسلاميين، خاصة أن هذه البؤر الإخوانية، كان واردا جدًا أن تستعمل كمنصات ومراكز لحشد الدعم والتعاطف السياسي والاجتماعي للجماعة، طالما أنها تقدم المساعدات للمصريين، في حل أزماتهم اليومية.


الشبكات الطبية
تأسست الجمعية الطبية الإسلامية، التابعة للإخوان، على يد القيادي أحمد الملط، في منتصف عام 1977، واستطاعت تقديم رعاية طبية ذات جودة عالية للمواطنين، وبتكلفة منخفضة في الوقت نفسه، وظلت الجمعية تتعاظم حتى وصل عدد أفرعها في عام 2013 إلى 22 مستشفى، و7 مراكز طبية متخصصة «أربعة مراكز غسيل كلى، ومركز لطب العيون، ومركز للخصوبة، ومركز لذوي الاحتياجات الخاصة»، وكانت تقدم خدماتها إلى ما يقرب من مليون مواطن سنويًا.

بعد قرار المحكمة الشهير بتصنيف الإخوان جماعة إرهابية، توجه أعضاء اللجنة المشكلة لإدارة أصول الإخوان، للتأكد من صلاحية الأوراق الخاصة بالجمعية واستبيان قانونية عملها، ورغم محاولاتها إخفاء هويتها بقطع علاقاتها مع أعضاء بارزين في الجماعة، بما في ذلك عضوي مجلس الإدارة حلمي الجزار، وجمال حشمت، إلا أنها لم تستطع الوقوف في وجه التيار، ليقرر أبرز قيادتها الفرار من البلاد، مثل محيي الزيات، مدير المستشفى الخيري المركزي الرائد بمدينة نصر.

اللعب على العواطف
في ديسمبر 2015، حاولت الجمعية، اللعب بتيرة العواطف للهروب من شبح التصفية، فنشرت إعلانا مدفوع الأجر، على الصفحة الأولى من جريدة الأهرام، ووجهت فيه استغاثة إلى الحكومة بالنيابة عن 2 مليون مريض، وآلاف المواطنين الذين لا يستطيعون دفع تكاليف علاجهم، حسب صيغة الإعلان، وطالبت الدولة أن تسمح لهم بمواصلة تقديم الخدمات، إلا أن ذلك لم يجدي نفعًا.

وسيطرت الدولة بالفعل على الجمعية، التي تقدر أصولها بنحو 300 مليون جنيه مصري، وتم حل مجالس إدارات المستشفيات، وأُعيد تشكيلها، واختارت اللجنة الشيخ علي جمعة، مفتي مصر السابق، لرئاسة مجلس إدارة الجمعية الطبية الجديد.

مدارس الجماعة
لم تغفل الإخوان عن التعليم الذي كان يمثل لها هاجسا منذ قيام ثورة 23 يوليو عام 1952، فقديما كانت ترى السيطرة على حقيبة التعليم بمثابة التحكم في الماضي والمستقبل، إلى أن ظهرت المدرسة الخاصة، واقتحمت الجماعة المجال بقوة، وهو ما فطنت إليه الأجهزة ومعها لجنة إدارة أصول الأموال، التي سيطرت على تركة الإخوان التعليمية، خاصة أن تلك الإجراءات واكبت تقارير صحفية، تؤكد أن مدارس الإخوان، كانت تقوم بالتحريض ضد الجيش والشرطة، وتلقن الطلاب معاني تتعارض مع الانتماء للوطن دون غيره.

واستطاعت اللجنة توفير سيطرة لوزارة التربية والتعليم، بشكل شبه كامل على تركة الإخوان، بعدما تخلصت من العقبات البيروقراطية، خاصة أن المدارس كانت ضمن ملكيات لأفراد، بما يحميها من المصادرة بموجب الدستور، رغم أن العديد من المدارس كانت تتبع رموزًا إخوانية واضحة، مثل وفاء مشهور، ابنة مرشد الجماعة السابق مصطفى مشهور، ومحسن راضي النائب الإخواني ببرلمان 2012، وخديجة الشاطر ابنة القيادي خيرت الشاطر.

انتهت المعارك القانونية في عام 2015، وتوجعت بتعيين مجموعة من المدراء الجدد التابعين للدولة، لتفقد الإخوان بذلك 90% من قوتها الضاربة، التي كانت تستند على قوة المعونات، والتأثير المادي لدفع «الفقراء والغلابة»، إلى التأييد الأعمى لمشروع الجماعة السياسي.

الجريدة الرسمية