رئيس التحرير
عصام كامل

الأقصى.. وحصاد الربيع العبري !!


ما يحدث في الأقصى اليوم لا يمكن فصله عن الماضى سواء البعيد أو القريب، وإذا عدنا للبدايات فسوف نكتشف أنه منذ أصبح العدو الصهيوني واقعًا على الأرض العربية في فلسطين والأمة العربية مفككة ومفتتة ومحتلة، وعندما أعلن العدو عن دولته المزعومة تحركت الجيوش العربية بدعوى الدفاع عن الأرض المغتصبة، لكنها وللأسف الشديد نالت هزيمة منكرة في حرب 1948.


ومنذ ذلك التاريخ أصبحت القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة العربية، فالشعب العربي أصبح مهموما بإنتاج قيادة عربية قوية ومؤمنة بالمشروع القومى العربي لتحرير فلسطين عبر جيش قوى يمكنه دخول الحرب والانتصار فيها، ومنذ اللحظة الأولى لإعلان الكيان الصهيونى أكد مؤسسه "ديفيد بن جوريون" أول رئيس وزراء "أن إسرائيل لا يمكن أن تعيش وتحيا آمنة إلا بالقضاء على ثلاثة جيوش عربية هي "الجيش المصرى والعراقى والسورى"، ومن هنا ندرك مدى وعي العدو وقياداته بمشروعهم المضاد.

وحين أفرز الواقع العربي هذه القيادة المؤمنة بمشروع الوحدة لمواجهة العدو الصهيونى وهو الزعيم جمال عبد الناصر، بدأ العدو في التخطيط لمواجهته وإجهاض مشروعه الوحدوي بكل الوسائل والطرق وكانت إحدى أهم الآليات هي التحالف مع الرجعية العربية لضرب المشروع من الداخل، ثم محاولة جرجرة الجيوش العربية لخوض حروب وهي غير جاهزة لخوضها فكانت النتائج مزيدًا من الاستنزاف للجيوش ومزيدًا من الانتصارات للعدو وكسب أرض جديدة تضم إلى الأراضي العربية المحتلة، وعندما نجحنا في المواجهة العسكرية في أكتوبر 1973 قام العدو باستخدام آلية جديدة للتفرقة والتقسيم والتفتيت وهى معاهدات السلام المزعومة التي بدأت بكامب ديفيد ثم وادى عربة ثم أوسلو.

وإذا كانت مقولة "ديفيد بن جوريون" يتم العمل عليها طوال الوقت منذ قام بإطلاقها، حيث يسعى العدو الصهيونى طوال الوقت لاستهداف الجيوش العربية وسحبها في معارك بعيدة عن المعركة الأساسية معه، فكانت الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات تم فيها إنهاك الجيش العراقى بشكل كبير، ثم الغزو العراقى للكويت الذي استنزف جزءا كبيرا من قوة الجيش العراقى التي انتهت بشكل نهائي بعد الغزو الأمريكي للعراق 2003، ثم جاء الربيع العربي المزعوم ليدخل الجيش السورى في معركة كونية مع العصابات الإرهابية المسلحة المدعومة صهيونيا ليستنزف قوته التي كانت مستعدة لدخول المعركة مع العدو الصهيونى، ونفس الأمر يتم مع الجيش المصرى الذي يواجه الإرهاب بالداخل وعبر حدوده الشرقية مع العدو الصهيونى في سيناء والغربية مع ليبيا والجنوبية مع السودان.

لذلك لا عجب مما يحدث في الأقصى اليوم دون أن يتحرك ساكنا للحكام العرب وأيضًا الشعب العربي وهذه هي المصيبة الأكبر التي أكدتها منذ زمن بعيد "جولدا مائير"، رئيسة وزراء العدو الصهيوني، في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، حيث قالت: "عندما أحرقنا القدس.. لم أنم طيلة الليل وتوقعت أن العرب سيأتون نازحين من كل حدب وصوب نحو إسرائيل.. فعندما بزغ الصباح علمت وأيقنت أننا أمام أمة نائمة"، وبالطبع هذا النوم ليس طبيعيًا بل بفعل فاعل وهو العدو الصهيوني الذي يتحرك بوعى تام لتمزيق وحدتنا وتشتيت جهودنا واستنزاف جيوشنا.

ومن خلال نظرة سريعة ومتفحصة لحصاد الربيع العربي المزعوم يمكننا أن نؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنه ربيع عبري بامتياز، تمكن من خلاله العدو الصهيوني أن يحقق جزءا كبيرا من أحلامه وطموحاته، أولها وأهمها هو إضعاف الجيوش العربية واستنزافها في صراعات ونزاعات وحروب داخلية خاصة الجيوش الثلاثة التي أشار إليها ديفيد بن جوريون ( المصرى – العراقى – السورى )، وهو ما يعنى أن إسرائيل يمكنها أن تعيش وتحيا آمنة وهو ما جعلها تقوم بتهويد القدس خلال سنوات الربيع العبرى، ثم تحاصر اليوم الأقصى وتمنع رفع الأذان به وتمنع المصلين من الصلاة دون أن يتحرك أي ساكن للحكام والشعوب العربية المنهمكة في مشكلاتها الداخلية.

وعلى الرغم من الصورة القاتمة بل حالكة السواد التي أوضحتها معركة الأقصى خلال الأيام الماضية، والتي جعلتنا نرى بوضوح حصاد الربيع العبرى، إلا أن هذه الصورة لم تخل من نقطة ضوء تمثلت في نموذج الوحدة الذي جسده الشعب العربي الفلسطينى الأعزل الذي وقف يدا واحدة ونسيجا واحدا مسلما كان أو مسيحيا دون رفع أي راية لفصيل أو تنظيم سياسي في مواجهة الآلة العسكرية الصهيونية، مما أجبرها على التراجع ولو مؤقتًا عن أفعالها الإجرامية، لذلك لابد أن يعي الشعب العربي أن قوتنا في وحدتنا.. اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية