رئيس التحرير
عصام كامل

الدجال


كعادتي كل صباح قمت بصنع القهوة الخاصة بى ثم شرعت في قراءة صحيفتي المفضلة، توقف بصرى تلقائيا عند باب حظك اليوم الذي أواظب على مطالعته يوميا، أخبرنى حظى بأن "مالا وفيرا في الطريق إلى".. تهللت أساريرى للدرجة التي جعلتنى أتناول هاتفى الخاص وأحدث جميع الأصدقاء المدين لهم بالمال وأخبرهم أننى أخيرا سأسدد لهم ديونهم مساء اليوم أو صباح الغد على الأكثر، وأنه سيأتينى اليوم مالا وفيرا.. فهلل الجميع لذلك الخبر الذي ينتظرونه منذ زمن بعيد، لكن الغريب أن أحدهم لم يهلل كما هلل الآخرون وسأل من أين لى بالمال؟ فأخبرته بما طالعته في الصحيفة.


فسخر منى وأكد أنني واهم وأن اعتمادى على تلك الأوهام لن يثنيه عن المطالبة بحقه، وأنه سيظل ينادى في كل مكان بأننى نصاب ودجال.. وأتى المساء ومن بعده الصباح لكنَّ شيئا لم يحدث، ولم أنتظر أن يبادرنى "الديانة" بالاتصال فبادرت بذلك بعد قراءتى لباب حظك اليوم لأخبرهم بما أتى به من أننى في الطريق إلى منصب رفيع خلال أسبوعين، وبذلك لن أسدد ديونهم فقط بل أستطيع أن أجعلهم في مناصب مرموقة في الدولة.

وكعادتهم هللوا جميعا عدا ذلك الشخص المتشائم دائما، والذي لم يكتف تلك المرة بنعتي بالكلمات التي دائما ما يرددها بل حاول الإيقاع بينى وبين أصدقائى الآخرين الصابرين المهللين لى دائما بأننى لن أفى بوعدى، كما لم أفى بوعد الأمس.. لكن محاولته باءت بالفشل بعد أن اتهمه الجميع بأنه لا يريد لى ولهم الخير.

لم ييأس ذلك الرجل، فذهب إلى مقر الصحيفة التي أواظب على قراءتها يوميا، ليطلب منهم أن يخبروا الناس على صفحاتهم أن باب حظك اليوم ما هو إلا هراء ووهم وتحذيرهم بأننى أستغل ما يأتى به لخداعهم والسطو على أموالهم.. وللمرة الثانية تبوء محاولته بالفشل بعد قيام صديقى "رئيس التحرير" بالاتصال بى وإخبارى بما حدث.

فذكرت له أننى لا أعرف ذلك الرجل وأنه حتما من الأعداء الذين لا يتمنون لبلادنا الخير.

فوافقنى صديقى على ذلك علاوة على نعتى بأننى ذو رؤية ثاقبة وأنه منذ عرفنى يتنبأ لى بمنصب رفيع، ثم طلب منى أن أتوقع ما سيحدث في البلاد الفترة القادمة، فأخبرته أن البلاد ستشهد مشاريع عملاقة ستحل مشكلات المواطنين جميعا وأن ذلك الكلام مؤكد وليس توقعات.

فهلل صديقى وشكرنى على حديثى وأثنى عليه مما جعلنى أبيت ليلتى مطمئنا بأنه ليس هناك ما يعكر صفوها.. لأستيقظ صبيحة اليوم التالى على أصوات تأتى من خارج منزلى تهتف باسمى بعد أن قرأوا كلامى الذي وضعه صديقى "رئيس التحرير" عنوانا رئيسيا للصحيفة.

الأمر الذي حدا بجميع الصحف والقنوات التليفزيونية ببث كل ما أقوله لقرائهم ومشاهديهم علاوة على تثمينهم لآرائى وبأننى "لا أنطق عن الهوى"، وللأمانة فقد كان جميعهم بارعا في ذلك، حتى أن القراء توقفوا عن قراءة باب حظك اليوم ليتفرغوا لتنبؤاتى التي تتصدر الصحف والشاشات فيهللوا لها ويثنوا على عبقريتى غير عابئين بصديقى القديم.. هل تتذكرونه؟

ذلك المتشائم الذي لم يصدقنى يوما وما زال يصرخ في الناس بأننى نصاب ودجال، وأن تصريحاتى التي يبثها الإعلام يوميا لا تختلف عن باب حظك اليوم.
ahmed.mkan@yahoo.com

الجريدة الرسمية