رئيس التحرير
عصام كامل

إبراهيم عبد القادر المازني يكتب: هيا نهدم الهرم الأكبر

إبراهيم عبد القادر
إبراهيم عبد القادر المازنى

في مجلة الهلال عدد يوليو عام 1947 كتب إبراهيم عبد القادر المازنى مقالا تحت عنوان (هيا نهدم الهرم الأكبر ) قال فيه:

الهرم الأكبر أو الأصغر سيان فيما يجعل أحدهما على وجه الخصوص أحق بأن يهدم دون الآخر، ولست أعنى بالهرم ذلك البناء الضخم على حدود الصحراء، أن هدم مثله عناء طويل باطل، وعسى أن يكون بقاؤه أولى وأجدى فإن فيه علما وفنا.


وإننى أعنى بالهرم الأكبر ذلك الكوم الضخم الذي ورثناه عن آبائنا من عادات وتقاليد وسخافات وحماقات.. وحق ذلك كله أن تشعل النار ويلقى به فيها.

وكثيرا ما تعجبت لتحكم الماضى في الحاضر واستبداد الميت بالحى، ويخيل إلى أحيانا أننا لا نحيا حياتنا الخاصة، وإنما نحيا حياة فرضتها علينا وقررها لنا من انحدرنا من أصلابهم.

إن هؤلاء الموتى الذين كفت أيديهم ولم يبق لهم لا العقل ولا الإرادة هم الذين يقضون بأمرنا فينا حتى في سحنتنا ومشيتنا وهيئتنا وأسلوب تفكيرنا وعاداتنا.

رفعت عينى مرة إلى صورة صغيرة لأنى كنت قد أخذتها قديما من إحدى ضرائر أمى لوجه أبى، ولم يكن كذلك في شبابى.. واكتشفت أننى أصبحت مثله في كثير مما كان معهودا فيه، وشعرت أن قوة خفية تدفعني إلى إيثار النهج الذي انتهجه أبى، فالمسألة ليست مسألة وراثة فحسب وإنما هي أيضا سيطرة من الأموات على الأحياء. 

تأمل مثلا الذي يوصي بوصية فيقضى على زوجته بالحرمان إذا هي تزوجت بعده.. هذا وأمثاله يحكم ممن أصبح لا حق له في التحكم، فلأنه يخاف من الموت ويعلم أنه سيخرج من الدنيا لا محالة فلماذا لا يمد حياته بعد الموت بتغليب إرادته على إرادة الأحياء.

ينبغى أن يزول ويمحى كل نظام يسيطر فيه الميت على الحى والعادات والتقاليد والخرافات هي من مظاهر التحكم من السلف في الخلف.

قد يقال إن عادات كل أمة وتقاليدها هي التي تكسبها سخصيتها الخاصة فأقول إن هذا أصبح كلاما فارغا في زماننا بعد أن انعدمت المسافات وتقارب العالم وأصبح التطور في الدنيا أسرع من الماضي الذي ذهب ولم يعد له وجود ولا سبيل لعودته مرة أخرى.
الجريدة الرسمية