فيها حاجة حلوة.. دكتور غنيم
هناك كثيرون يستحقون تماثيل في كل ميادين مصر، تخليدا لهم على خدماتهم الجليلة لبلدهم، ويأتي في مقدمة هؤلاء العالم الكبير د محمد غنيم رائد زراعة الكلى، ليس فقط لأنه أسس واحدة من أهم المؤسسات الطبية في العالم، أو لأنه وضع أول طوبة في نهضة طبية بمنطقة الدلتا جعلت من المنصورة عاصمة الطب في مصر، لكن لأن ما فعله غنيم يؤكد أن مصر تستطيع والنجاح سهل ومشكلتنا ليست في الموارد، لأن ما تحقق في مركز الكلى بالمنصورة كان بسبب الإدارة الناجحة، ويمكن تحقيقه ليس فقط في قطاع الصحة بل في كل القطاعات إذا توافرت الإرادة الوطنية المخلصة.
د غنيم استطاع أن يؤسس لنظام إدارة جديد على مصر، وهو الإدارة بالقدوة، بمعنى أنه يطبق على نفسه ما يطلبه من تلاميذه ومرؤوسيه، وكان يجمع بين الحزم الشديد والحب والتعاون والرغبة الصادقة في النجاح..
العبقرية فيما فعله غنيم أن المركز ما زال منضبطا ويعمل بنفس الكفاءة على مدى 36 عاما، ويقدم خدماته الطبية المجانية المتميزة لفقراء المرضى، والنظام المؤسسي الذي وضعه ما زال ساريا حتى بعد تركه الإدارة منذ أكثر من عشرين عاما.
قصص وحكايات كثيرة يرويها تلاميذه بداية من تفرغه للعمل في المستشفى الحكومي الذي أسسه، ولم يفكر إطلاقا في افتتاح عيادة خاصة وحياته كلها للمرضى الفقراء، بل كان يسافر لإجراء جراحات في الخارج والمشاركة في لقاءات علمية، ويقوم بإيداع مقابلها المادي في صندوق علاج المرضى، حتى عندما احتاج هو لإجراء جراحة نادرة خارج مصر وقررت وزارة التعليم العالي علاجه على نفقتها، رفض الحصول على المبالغ المقررة لذلك وأودعها لصالح أبحاث الخلايا الجذعية في المركز.
تشعر بالفخر حينما تسمع من مرضى مصريين وعرب سافروا للعلاج في أوروبا وأمريكا لكنهم نصحوا بالعودة والعلاج في مركز غنيم بالمنصورة، كما تشعر بالفخر حينما تسير في مركز الكلى وتشاهد متدربين ومرضى من كل دول العالم.. د غنيم الذي لم يتبرع بأمواله وحياته فقط للمرضى بل كان يتبرع لهم بالدم، وأقام مؤسسة تعتبر قبلة للمسالك والكلى في العالم..
رفض كل الإغراءات المادية للهجرة والعمل في الخارج مثل غيره وفضل علاج فقراء مصر عن غيرهم، وأن تتلوث قدماه بتراب هذا الوطن والمشاركة في بنائه وأن يحمل همومه ويعيش لحظاته انكسارته وانتصارته، وأن يعطيه عمره وعلمه وخبرته، د غنيم حدوتة مصرية حياته وإخلاصه لبلده تستحق الاهتمام من كتاب السيناريو حتى تكون عملا دراميا تشاهده الأجيال، فهو خير مثال وقدوة، تحتذى لشبابنا المحاصر باليأس والإحباط وبالأعمال الدرامية المدمرة والمبتذلة.
حينما تنتقل قدميك من شارع الجمهورية في المنصورة إلى مركز الكلى فقد انتقلت من مصر إلى أوروبا وأمريكا، ومن العالم الثالث المتخلف إلى العالم الأول المتقدم، ولا تملك إلا أن تدعو للرجل الذي كان وراء هذا الإنجاز المبهر، د غنيم لا يمتلك أرصدة في البنوك ولا قصور في المنصورة أو مارينا لكنه يملك حب كل المصريين ودعوات المرضى التي تنير له الدنيا والآخرة..
الفقراء أطلقوا اسم غنيم على مركز الكلى قبل أن يتخذ مجلس جامعة المنصورة قرارا بذلك، وهذا تكريم بسيط لكن التكريم الأهم منتظر من مؤسسة الرئاسة بمنحه قلادة النيل، فهو أولى بها من كثيرين حصلوا عليها ولم يقدموا لمصر سوى الكلام، قلادة النيل سوف تفخر بمنحها لرجل أعطى لبلده الكثير في صمت وبلا صخب أو ضجيج إعلامي أو انتظار لأي مقابل، أطال الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية وجزاه خير الجزاء نظير ما قدم لمصر وللإنسانية.
egypt1967@yahoo.com