رئيس التحرير
عصام كامل

إمبراطور وملك ومسئول


قبل سنوات جمعتني صداقة بفتاة صينية كانت تدرس في مصر، وقد سألتها يومًا عن أكلاتهم المفضلة في الصين، فأخبرتني أن هناك اختلافات في عادات السكان بين المدن وبعضها نظرًا للتباينات الثقافية والدينية وغيرها لكن يمكن القول مجازًا إن سكان الصين يأكلون كل ما يسير على الأرض باستثناء "الدبابات" وكل ما يطير في السماء باستثناء "الطائرات".. بعدها سافرت إلى بلدها مع وعد بلقاء آخر تأجل كثيرًا حتى أمحت الأيام ما تبقى من الذكرى ورغم ذلك كلما قرأت شيئًا عن حضارة الصين تطل –رغمًا عني- ابتسامتها الطيبة بين صفحات الكتب..


وفي حضارة الصين عظات كثيرة منها مصير الأسطول الضخم الذي بناه الإمبراطور "زو داي" في بدايات القرن الخامس عشر وقاده البحار الشهير "زينج هي" في رحلات تجارية وثقافية حول العالم ثم تخطيط الإمبراطور لاكتشاف العالم الجديد قبل رحلات "كريستوفر كولومبوس" مكتشف أمريكا بسنوات لكن عاجله الموت ليأتي بعده إمبراطور جديد أراد أن يطمس إنجازات سابقه ويقلل من أهميتها، فقرر إيقاف عمل الأسطول ومنع الرحلات الاستكشافية تمامًا.

جاء قراره الأناني نكاية في سلفه لتخسر الصين فرصتها الكبرى في غزو العالم الجديد قبل الجميع، فلولا تصرفه الأحمق ورغبته في عدم نسب أي إنجاز للأسطول الذي أسسه الإمبراطور السابق لنقلت الصين حضارتها هناك قبل الإسبان والإنجليز والبرتغال ولعلنا كنا نشاهد اليوم دولة صينية في خريطة الأمريكتين وربما لما كانت الصين لتكرر نفس جرائم "كولومبوس" بحق السكان الأصليين لأمريكا.. لكنها الأنانية والرغبة في تشويه أعمال السابقين ونسب الإنجاز لأنفسنا بدلًا من الاهتمام بتحقيق الإنجاز نفسه للصالح العام.

وقد اقترب شهر يوليو من الرحيل مثلما رحل رموز ثورته والذي جمعتهم نكتة واحدة أطلقها أحدهم في السبعينيات وتقول إن الرئيس السادات سار على خطى عبد الناصر لكن بممحاة.. وبغض النظر عن الصواب والخطأ في قرارات الحكام لكن تبقى الحقيقة أن تصحيح المسار قد يكون واجبًا، لكن مع الإبقاء على النقاط الجيدة في قرارات السابقين فلا فائدة من السير في عكس الاتجاه أو محو الآثار مثلما فعل الملك المصري تحتمس الثالث مع زوجة أبيه حتشبسوت قبل آلاف السنوات كما لا يفيد العناد والأنانية مثلما فعل إمبراطور الصين قبل بضعة قرون..

وإذا ضاعت الفرص الكبرى على الصين نتيجة قرار واحد أناني من حاكم فإن لدينا مئات الحكام والمسؤولين في هيئات ومؤسسات ومحافظات ووزارات مختلفة عليهم التخلي عن الأنانية والفهم أن المصلحة تقتضي استكمال البناء وتصحيح مسار السابقين -إذا لزم- عوضًا عن المحو التام لخطط وأفكار ومشروعات سابقيهم، فليس المهم لمن يُنسب الإنجاز لكن الأهم أن يتحقق.
الجريدة الرسمية