الحوالة البريدية
يبدوا أننا من كثرة الاعتياد على أمر ما لم نعد نلاحظ ما إذا كان هذا الإجراء يتناسب مع الزمن الذي نعيش فيه أم لا، والمشكلة أننا لا ندرس الأمر إلا إذا قام آخرون بلفت نظرنا إلى ذلك.. وردت رسالة من أحد القراء الكرام بخصوص هذا الأمر يقول فيها:
"ذهبت لاستخراج بيان نجاح لابنتي وإذ يطلبون مني حوالة بريدية من مكتب الهيئة القومية للبريد، وذهبت للمكتب القريب واكتشفت أنه لا يوجد حوالات بريدية في كل المكاتب، إنما عليَّ الذهاب إلى مكتب بريد مختص بإصدار الحوالات، ووصف لي مكان المكتب الآخر وكان يوم صعب، كانت درجة الحرارة مرتفعة، وتحملت ذلك مع كبر سني وذهبت إلى المكتب المذكور.
وقفت في الطابور وانتظرت إلى أن جاء دوري وقام الموظف بكتابة نموذج ٢ حوالات بمبلغ ١٠ جنيهات وأجر الخدمة ٥ جنيهات أي إن القيمة ١٥ جنيها، وثمن الحوالة جنيه واحد وخمسون قرشا ليصبح الإجمالي ١٦ جنيها ونصف، والمعروف أنه لا يوجد فكة وبالتالي المدفوع ٢٠ جنيها، وتحرر الحوالة من أصل وأربع صور ويتم استيفاء توقيع الموظف المختص، وتوقيع وكيل المكتب، ثم ختم المستند بختم وضاع اليوم.
وبالرجوع نجد أن الموظف غير موجود لأن الوقت تأخر فكان المطلوب أن أتقدم بطلب إجازة من عملي ليوم آخر لأذهب إلى المصلحة الحكومية لأقوم بتقديم الإيصال بالحوالة البريدية ليقوم الموظف بكتابة بيان النجاح!
تكلفت الانتقالات في يومين نحو ٨٠ جنيها علاوة على إجازة يومين من العمل لاستخراج حوالة بريدية، وإذا كان المكان نفسه قد قام بتحصيل المبلغ لما كانت كل هذه المهاترات التي يقف أمامها المواطن حزينا لا حول له ولا قوة أمام من يهدرون وقته وجهده وماله.
ولماذا وصلنا إلى هذا التردي؟"
رسالة المواطن الكريم في غاية الأهمية؛ لأنها تكشف عدم تحديث الإجراءات المتبعة منذ عشرات السنين، مثل هذه الإجراءات عفى عليها الزمن، ولا بد من تحديث الإجراءات المتبعة كل خمس سنوات مثلا لتناسب التقدم الذي نعيش فيه.
كم تركت هذه الذكرى على نفسية المواطن من إحساس بالضيق تجاه التعامل مع بعض الوحدات الحكومية العقيمة التي لا تعرف قيمة الوقت الذي تعرفه دول أخرى تخطتنا في طابور التقدم.
كيف تكون حوالة بهذا المبلغ البسيط نسبيا تتكلف كل ذلك، وأعتقد أنه من الأصلح أن ينتهي عصر الحوالات البريدية الآن، ويتم التحصيل في المصلحة ذاتها إلكترونيا مثل باقي الدول، لا بد أن نقوم بتعديل كل إجراء عقيم ونجتهد في ذلك أملا في إصلاح بلادنا للأفضل وأعتقد أننا قادرون على تحقيق ذلك.
حفظ الله مصرنا الغالية وسنراها غدا أفضل بإذن الله.