جابر نصار ليس آخرهم!!
تتفق أو تختلف مع الدكتور جابر نصار ولكن لا يمكن إلا أن تحترم موقفه وقراره الذي يحتاج وقفه وتفسيرًا ويثير الانتباه لأكثر من سبب، أولا، لأنه لا أحد يستقيل في مصر ولا يترك منصبه طواعية حتى لو كان منصبًا صغيرًا، فما بالك بمنصب رئيس أهم وأول جامعة في المنطقة.
ثانيا، جابر نصار تولى رئاسة جامعة القاهرة في عهد الإخوان وهو عدوهم وبعد معركة انتخابية شرسة معهم، وكان فوزه أول مسمار في نعشهم وأعطانا الأمل في أنهم لن يستطيعوا التمكن من البلد والسيطرة على الجامعات..
وشهدت جامعة القاهرة خلال رئاسته أحداثًا شديدة الصعوبة، اقتحامات من طلاب الإخوان ومولوتوف واغتيالات لبعض الطلاب، فالإخوان كانوا يراهنون على إفساد الجامعات والعام الدراسي الأول بعد إزاحتهم عن الحكم حتى تنهار الدولة، ولكن جابر نصار استطاع العبور بالجامعة إلى بر الأمان، واستمرت معركته مع التيارات الدينية داخل الجامعة، وأغلق جميع الزوايا وقصر الصلاة في مسجد الجامعة الكبير ثم قرر إلغاء خانة الديانة في الأوراق الرسمية.
جابر نصار ترك منصبه أمس، وقدم كشف حساب لفترة رئاسته للجامعة، تستطيع الأجهزة وزملاؤه تقييمه، ولكني أبحث عن سبب عدم رغبته في الاستمرار في منصبه، هناك شائعات كثيرة منها أنه كان يطمع في منصب وزاري ولكنه لم يحدث، ومنها أنه قدم كل ما لديه ويريد إعطاء فرصة للآخرين، ومنها أنه تلقى عرضًا مغريًا للعمل في الخارج، ووصلت الشائعات إلى حد القول إن جابر نصار ترك رئاسة الجامعة حتى يترشح لرئاسة الجمهورية، كل هذه شائعات ولكن يقيني الشخصي أن جابر نصار ترك منصبه اختيارا حتى لا يتركه إجبارا، فقد قرأ المشهد جيدا وعلم أن لن يتم التجديد له، فقرر أن يكون الأمر بيده لا بيد غيره، جابر نصار رأى أنه في عهد الوزير الحالي تم استبعاد رؤساء الجامعات الأكفاء، حدث ذلك في جامعات "سوهاج وحلوان والسويس"..
والموقف الذي أثار استغراب الكثيرين ما حدث مع الدكتور ماهر مصباح، رئيس جامعة السويس السابق، فالجميع يشهد لهذا الرجل بالكفاءة فهو يعتبر مؤسس الجامعة، حيث تولى رئاستها بعد تحويلها من فرع لجامعة، وتحمل المسئولية في الظروف الصعبة بعد استبعاد الإخوان، وكانت الأحداث ساخنة والجامعة بدون سور، ولكن مصباح استطاع أن يحمي جامعته طبعًا بالتعاون مع رجال الجيش والشرطة، والذي يثير الاستغراب أيضًا أن ماهر مصباح ولمدة ثلاث سنوات كان رئيسًا للجنة اختيار القيادات الجامعية، أي أن الدولة رأت فيه الكفاءة والخبرة والوطنية وكان محل ثقتها فعهدت إليه بهذه المهمة الكبيرة وهو اختيار رؤساء جامعات مصر كلها.. فهل هذا الرجل الذي كانت مهمته اختيار كل رؤساء الجامعات المصرية لا يصلح للاستمرار في رئاسة جامعته الوليدة الصغيرة؟!
ما يزيد الأمر ريبة أنه حينما كان مصباح رئيسًا للجنة اختيار رؤساء جامعات مصر استبعد الوزير الحالي من الصلاحية لرئاسة جامعة عين شمس، ولكن بعد شهور قليلة هذا الشخص المستبعد من رئاسة جامعة يصبح وزيرا للتعليم العالي، ويرأس المجلس الأعلى لكل الجامعات، فالبعض رآها موقفا شخصيا وتصفية حسابات من الوزير الحالي لرئيس الجامعة السابق، ولكنه على جثة الوطن!
بعد استبعاد الدكتور أشرف حاتم، الأمين العام للمجلس الأعلى للجامعات، ثم استبعاد رؤساء جامعات سوهاج وحلوان والسويس كان قرار جابر نصار استبعاد نفسه، ولن يكون الأخير فأنا أعرف بعض رؤساء الجامعات الأكفاء اتخذوا نفس القرار حتى لا يكونوا محلًا لتقييم ممن هو أقل منهم، ثم يتم استبعادهم بشكل مهين، وفي النهاية مصر هي الخاسرة، فالكثيرون من الأكفاء ليس في الجامعات فقط بل في مواقع كثيرة قرروا عدم الاستمرار في مناصبهم أو الابتعاد تمامًا عن المشهد فلن يكون لهم دور في خدمة بلدهم لأن بوصلة الاختيار تتجه للأسوأ والأضعف..
المسئول الذي يسيئ الاختيار أو يختار على أساس المجاملة أو لمصالح شخصية أو تصفية حسابات هو مسئول غير أمين مع الله ومع البلد ومع رئيس الجمهورية، صحيح أن تعيين رئيس الجامعة بقرار جمهوري ولكن الرئيس يثق فيمن يعرض عليه، ولذلك يجب أن يكون العرض أمينًا..
أتمنى من الأجهزة الرقابية والأمنية ومؤسسة الرئاسة مراجعة كل الاختيارات، قبل إصدار القرارات.. كما أتمنى منهم المقارنة بين المرشحين الحاليين لرئاسة جامعة القاهرة وبين رئيسها السابق، فإذا رأت أن جابر نصار أفضل فيصدر قرار عن الرئيس مباشرة بالتجديد له.. يجب أن يكون هناك ثواب وعقاب إذا كان الشخص مجتهدا وأمينا يكافأ بالبقاء في منصبه، وإذا أساء استغلال وظيفته يستبعد ويعاقب بالسجن.. سوء الاختيار أخطر على مصر من الإرهاب.. واللهم احفظ مصر.
egypt1967@yahoo.com