السيد المصحح.. شوية ضمير
هل عامل كل مصحح في الثانوية العامة ضميره، وحقق ودقق وطبق المعايير، فلم يظلم بيتا بأكمله له ابن أو ابنة في جحيم الثانوية المهمة العامة في مصر؟
لا تزال البيوت المصرية تعيش توابع نتيجة الثانوية العامة المهمة، بدرجات متفاوتة من الفرح والحزن، من الزغاريد والانكسار، وكل بيت فيه ولد أو بنت مر بفرن الصهر العالي هذا، عاش مع الابن أو الابنة لفحات السعير قلقًا ودروسًا.. ولا أظن أن عملية التعذيب الجماعي هذه موجودة على النحو الصارخ هذا إلا في مصر، ومنذ زمن بعيد ربما من قبل جيلي الذي حصل على الثانوية العامة في ١٩٦٩!
عذاب ممتد لعقود ولا تبدو له نهاية، وهو متجدد مع إعلان مراحل التقدم لمكتب التنسيق. ناس تفرح وناس تتحسر.. والحق أن هذا العام التعليمي الغريب أسفر عن انخفاض في نسبة النجاح عن العام الماضي والعام الذي قبله بأكثر من 3٪، فقد بلغت 72.4%، مقارنة بـ75.7% لعام 2016، و79.4% لعام 2015، و76.6% لعام 2014.
لكن الملحوظ أكثر هو اختفاء المجاميع الديناصورية.. ويربط خبراء التعليم بين هذه النتيجة ونظام البوكليت الذي أخذ به الوزير هذا العام ليواجه ألاعيب "شاومينج" الرهيب! انخفاض الدرجات أثار هلع وجزع نحو ٢٥ ألف طالب تقدموا في منتصف يوليو الحالي بطلبات لإعادة مراجعة أوراق الإجابة في مواد هم موقنون أنهم أجابوا فيها إجابة صحيحة، وبالفعل كانت "الفيزياء والكيمياء والجيولوجيا والتاريخ" من أكثر المواد التي تظلم طلاب من تصحيحها، ولقد ازداد رقم طلبات التظلم وفق آخر الأرقام إلى ٤٦ ألف طلب، وبين يدي الآن صورة كاشفة أرسلها لي تيمور الشريف والد الطالبة آسيل، وفيها ورقة إجابة ابنته وورقة الإجابة النموذجية، في مادة الأحياء والبنت كتبت الإجابة والمصحح شطب عليها بالخطأ واعتبرها خطأ!!
وهذه الواقعة تعكس حسرات واحتجاجات الآلاف ممن ظلمهم السيد المصحح فأسقط جزئيات إجابة ولم يقدرها، ولم يحتسب درجات، أو أن إجابة الطالب لم تكن صورة طبق الأصل من الإجابة النموذجية، وأي انحراف عنها يعتبره خطأ! شوية ضمير كانت كفيلة بإسعاد آلاف البيوت والقلوب، فرحة نحتاجها، لا همًا ولا حزنًا لأن صدورنا مملوءة بالهم والخوف والقلق والحزن، ومش ناقصاكم أيها المصحح المهمل الكسول الغفلان! لأن نماذج الإجابة تباع أمام لجان التظلم والأهالي يطابقون ويستصرخون!
والحقيقة أنه ليس مهمًا فقط رد الدرجات المسلوبة جهلا أو إهمالا أو لانعدام الضمير، بل المهم حقًا هو تقديم المصحح المهمل الكسول الجاهل إلى المحاسبة القاسية، وإبعاده عن كنترولات التصحيح لأنه صار مدانًا بالإهمال الجسيم، وهذا العقاب سيجعله عبرة لكل من أطاح بمجهود الطلبة وأهدر عامًا من عمرهم، وبدد أموال الناس نتيجة شخيره أو تعجله أو غياب نظرته التقديرية.