فوضى جديدة.. لماذا؟
دعا النظام الحاكم إلى مليونية تطهير القضاء، غير ملتفت إلى أنه نظام حاكم للبلاد، حجته إظهار أن الشعب مع أفكاره تماما، كما كان يفعل الحزب الوطنى السابق من إخراج المظاهرات التى تؤيد قراراته، وهى طريقة النظم الفاشية التى قامت ثورة يناير ضدها.
النظام الحاكم لا يفهم الديموقراطية إلا مظاهرات تأييد، ورغم انفضاض حلفائه التقليديين –السلفيين- عن الدعوة، مما يعنى قلة أعداد حشدها إلا أنه لم يهتم، طبعا هو لا يهتم بالمعارضة ولن أتحدث عن رفضها لهذه المليونية فهذا أمر معروف ومتوقع، وحدث ما حدث من اقتتال بين بعض شباب الثورة وبين تابعى النظام الحاكم الذين أتى بهم من كل القرى والبلاد.
قدم لهم المال والطعام كالعادة أيضا، واتهم معارضيه بأنهم هم الذين يفعلون ذلك، وانتهى اليوم والليلة بإصابات وتجاوزات لن تؤثر فيه ولن يهتز لها، بل يدعو لمليونية أخرى الجمعة القادمة فى ميدان التحرير فى تحد سافر لكل الأطراف، النظام الذى يتهم المعارضة بزعزعة الاستقرار بينما هى لا تخرج فى مظاهرات إلا من أجل مطالب الثورة التى ردم عليها التراب.
هذا النظام لا يهمه ما جرى من إصابات وتعطيل للطرق، التهمة التى يوجهها دائما إلى معارضيه، ويدعو لمليونية أخرى لدعم ما يريد بينما هو فى يده أن يصدر القوانين لما يريد، هل لهذا معنى غير الفوضى، ولماذا الفوضى الآن صارت مطلبا للحكم؟
لأنه فشل فى تقديم أى شيء للوطن يمكن أن يدعم الاستقرار، اقتصاديا أو اجتماعيا أو سياسيا رغم مرور تسعة أشهر على تولى الرئيس وحزبه الحكم، هل هذا هو الحل الآن، وماذا يمكن أن يحدث لو ازداد القتال بين أبناء الشعب، إصابات أكثر وربما قتل فى المرة القادمة، من قبل دفع حشوده إلى المقطم تنتظر معارضيه وجرى ما جرى.
صحيح أنه فى المقطم أضيف للثوار المسالمين شباب العشوائيات المحيطة، ونال الإخوان علقة واضحة، هذه المرة يأتى أتباعه مستعدين بالهراوات والخرطوش وغير ذلك من أسلحة حتى لا يتكرر لهم ما جرى فى المقطم، لكن ليس مهما أن يجرى العطب للحياة فى البلاد والوطن، يبدو لى أن مسألة تطهير القضاء ستكون مدخلا للقتال بين أفراد الشعب ليس أكثر.
فالنظام يعرف أنه مهما أعلنت المعارضة من قرارات بعدم الخروج فى مظاهرات فى نفس الوقت ستخرج المظاهرات؛ لأن قطاعات كبيرة من الشباب لا تستجيب لطلبات المعارضة ولا تنسى أنها أشعلت ثورة سرقت منها؟ بل ترى فى قرارات المعارضة نوعا من التعقل لا يناسب المرحلة التى يصل فيها عناد النظام مع الثورة إلى حد الجنون، إذن تطهير القضاء ليس شعارا حقيقيا، صحيح أنه حق يراد به باطل حين يرفعه نظام عارض الثورة فى ذلك من قبل، بل وتحدث دائما عن احترامه للقضاء.
هذا الاحترام الذى لا يظهر أبدا إلا حين تكون الأحكام مناسبة له، صحيح أن القضاء يصدر البراءات المتتالية لقتلة الشهداء، لكن النظام الحاكم لم يضبط من قبل عاملا من أجل حق الشهداء بل أضاف إليهم عددا يكاد يصل إلى المائة، ولم يعاقب الداخلية أو غيرها على إخفاء كل أدلة الإدانة لقتلة الشهداء.
صحيح أن النظام الحاكم يصدّر للناس عدم رضاه عن الإفراج عن حسنى مبارك لكن الجميع يعرفون أنه سيفرج عن حسنى مبارك، وربما يكون ذلك ضمن الاتفاق مع المجلس العسكرى السابق الذى به تم تسليم البلاد إلى الإخوان، والقضية التى قيل إن جماعة الإخوان سترفعها على هذه الجريدة الموقرة حين نشرت اللقاء السرى بين مرشد الإخوان والرئيس مبارك حينما كان بالمستشفى العسكرى الدولى على طريق الإسماعيلية.
هذه القضية لم ترفع أبدا، ولن أعيد قصة النائب العام والخروج على القانون ولا إعلان الرئيس مرسى الدستورى وغير ذلك مما بدأ به النظام الخروج على القوانين ونسفها فى الوقت الذى رفض فيه تماما فكرة العدالة الانتقالية التى كان يمكن أن تغنينا عن كل هذا العبث، رفضها بحجة الالتزام بالقانون العادى وبحجة الاستقرار فى الوقت الذى يهيئ فيه البلاد لمذبحة للقضاء.
النظام يفعل ذلك وهو يعرف أنه على خطأ، إذن ما المطلوب؟ الفوضى التى تتيح له إصدار القوانين المكبلة للحريات، الفوضى التى ترهق الناس والثورة، هو لا يشعر بأى قلق ولا يهمه أى وطن، بل ربما كانت الفوضى طريق الوطن اليائس الخانع، فهل سينجح؟ لا أظن، كلها رهانات خاطئة.
ibrahimabdelmeguid@hotmail.com