محمود السعدني يكتب: كلمة احتجاج
في مثل هذا اليوم 26 يوليو 1987 رحل الأديب والكاتب توفيق الحكيم وفى كتابه "وداعا توفيق الحكيم" الذي أصدره المركز القومى للآداب قام الدكتور نبيل فرج بجمع كتابات الآداب التي صدرت في رثاء توفيق الحكيم فكتب محمود السعدني يقول:
عندما يموت كاتب كبير موهوب في حجم توفيق الحكيم فنحن لا نلطم الخدود أسفا عليه لأنه لم يفارقنا قط فهو يعيش داخل نفوسنا ويسرى في دمنا.
وواجبنا حيال وفاة كاتب عظيم من هذا الطراز هو تقييمه بما له وما عليه، وتسليط الضوء على القمم الفنية التي تسلقها والسفوح التي تدحرج إليها.
والبحث عن سر القوة الإبداعية التي الهمت نائب في الأرياف وسر الأصابع الخفية التي فرضت عليه أن يعترف صراحة بأنه فقد وعيه خلال حقبة من تاريخ مصر كان خلالها يتصدر مجالسها ويتحدث باسمها ويحمل أرفع أوسمتها دون أن يفتح فمه مرة واحدة بكلمة احتجاج.
على كل حال ليست هذه هي أصلح مناسبة لمحاسبة توفيق الحكيم سياسيا ومواقفه السياسية المضطربة المهتزة الرمادية لا تقل عن حجم موهبته التي هي بلا جدال أعظم موهبة فنية عربية.. ربما بعد المتنبي.
وتقييم هذه الموهبة العظيمة لايتم في قعدة أو محاضرة أو مقال.. لكنها تحتاج إلى مؤسسات ضخمة وإمكانيات كبيرة كالجامعات مثلا.. لأن توفيق الحكيم ليس فنان مصر لكنه فنان كل العرب وهو أخطر وأعظم فنان أنجبته أمة محمد.
ولا مانع أن يشمل التقييم كل العمالقة في تاريخنا الأدبي.. لكن يبقى للحكيم وضعه الخاص وسط كتيبة العباقرة، لأن الحكيم هو الفنان وطه حسين والعقاد من طبقة الأساتذة.
وإذا كان طه حسين هو فلتة ومعجزته الحقيقية في نشر الثقافة وتحكيم العقل بعيدا عن الخرافات لكن فن طه حسين يأتي في المرتبة الثانية بعد فن يحيى حقي والمازني، وفى المرتبة الثالثة بعد توفيق الحكيم ونجيب محفوظ.. فهؤلاء في طابور الفنانين الذي يضم عشرات المبدعين على رأسهم توفيق الحكيم.. فهو شيخ الأدباء الفنانين، وهم غير الأدباء الأساتذة، وإذا كانت موهبة نجيب محفوظ من الذهب الخالص عيار 24 فموهبة توفيق الحكيم من الماس الحر الأصيل.
والغريب أن الحكيم يدعى أنه لا يشتغل في السياسة، لكنه كان في الحقيقة غارقا فيها حتى أذنيه، ويوميات نائب في الأرياف هي عمل سياسي معارض من الطراز الأول وكذلك عودة الروح.
على العموم لقد مات الحكيم وغادر دنيانا.. لكن فنه الأعظم سيظل باقيا معنا وإلى أمد طويل.