حكاية أول شهيد بأحداث المسجد الأقصى
كعادته كل يوم جمعة، ضوء الشمس ملأ غرفته، الضجيج المنبعث من الصالة يزيل النوم عن رأسه ببطء، يضطره إلى أن يستيقظ مبكرًا ليستقبل أبناء عمومته وأخواله في مدخل المنزل.
كان أسبوعًا مختلفًا على كافة الأصعدة، فهذه الجمعة توافق عيد ميلاده السابع عشر، سبعة عشر عامًا مروا في هذا المنزل الذي يتنفس حرية رغم الحصار، قبل أيام قليلة كان يحتفل بحصوله على "البكالوريا" أو ما يعادل الثانوية العامة، شهور قليلة كانت الفاصل بينه وبين حلمه في الالتحاق بجامعة "القدس".
"كنت كل يوم جمعة أفطر معه ومع عيلته، وهذه الجمعة اللي استشهد فيها صحى بكير، وكان بيتمنى ينزل المظاهرات وأمه كانت بتمانع، لحد ما أقنعها تدخل ترتبله غرفته، وهو جري لبس ملابسه واتوضأ ونزل على الصلاة، وغمزني إني ما احكي لإمه على نزوله"، هكذا تتحدث أم أنس، ابنة خال محمد محمود شرف، 17 عاما، من بلدة سلوان بالقدس المحتلة، أول شهيد فتحت له أبواب السماء في أحداث الأقصى الأخيرة الجمعة الماضية.
كانوا يرون فيه دائمًا أنه سيكون شهيد العائلة، تقارب المنزل ومنطقة القدس القديمة المحتلة، وشرفته التي كانت قريبة من الأحداث تلك التي لم تكن تهدأ إلا لتشتعل مرة أخرى، كل هذه الأمور جعلته منذ الصغر يميل إلى الخروج في الإنتفاضات، في انتفاضة فلسطين الثانية عام 2000 ملأ صدره أول نفسًا له في الحياة، لتمر 17 عامًا وفي إنتفاضة الغضب التالية ليطلق النفس الأخير ويدع حياةً كانت مليئة بالأمل والقوة والإصرار.
"كنا بنسميه سنفور لأنه كان نحيف وصغير"، محمد من بين أطفال ومراهقي العائلة الأكثر نشاطًا وإقبالًا على الحياة، اشتهر بينهم بحسن معاملة الجيران ومساعدتهم في كافة الشئون المعيشية خاصة كبار السن، "هو كان مشهور بتربيته وطيبته، مازعل حدا منا بيوم، كان بدنا يظل معنا أكتر من هيك".
لحظة استشهاد محمد شرف
"كانوا اصحابه منتظرينه قدام البيت ليباركوله على نجاحه بالبكالوريا، واتقفوا إنهم يروحوا يصلوا الجمعة مع المرابطين بالأقصى وبعدين ينطلقوا مع الفاعلية، تستأنف ام أنس الحديث عن تفاصيل يوم الاستشهاد، فحتى لحظة انتهاء الصلاة لم يكن في الحسبان أنه سيحصل على لقب أول شهيد في جمعة الغضب، فتروي ابنة خاله على لسان أحد أصدقائه المصابين والذين رأوا الحادث، "هو لما شاف مستوطن حاقد فاتح النار على صدر صديقه، ما حس بحاله إلا وتصدى له"، فرأى المستوطن نظرة القوة تلك النظرة التي تضيء في عينيّ الفتى الصغير ليطلق على صدره ورأسه النار مباشرة ويرديه قتيلًا في الحال، تداخلت أصوات الهتافات المنددة بالاحتلال مع دوي الرصاص، ما زال أمه ترتب غرفته ليعود مجددًا ويستعد لحفل عيد ميلاده في المساء.
ظل جثمانه ملقى في وسط الاشتباكات حتى حملة أصدقاؤه على أكتافهم، فخرجت أم أنس وإخوتها وورائهم تهرول أمه وإخوته الصغار، "ماصدقنا لما شفنا المنظر كل شيء حصل بسرعة في لمح البصر، صرنا نصرخ ونستنجد بالناس وجرينا بيه على المستشفى وهناك سلم روحه لربه".
حلم لم يكتمل
"كان حلمه إنه بعد ما يخلص البكالوريا يلتحق بالجامعة ويدرس لحتى يتعين بها"، تفوق محمد الدراسي جعله يتمنى أن يظل في الجامعة وعمل بها، احب جامعة القدس منذ كان في المدرسة، فتؤكد معلمته على أنه كان يدعو دائمًا أيام المدرسة الثقال، وخاصة الحصة الأولى في السابعة صباحًا، فهي بالنسبة له كانت الأطول مدة، فهو يمل ويكره كل فترة زمنية يمكن أن تطول.
وما إن جاءت لحظة الاحتفال بالنجاح واستلام شهادة التخرج من المدرسة، قدر له أن يتغيب عن هذا اليوم ليتسلمها عنه أحد أصدقائه ويحتفظ بنسخ منها أصدقاؤه ووالدته وأبناء خاله.