«عاوزينها تبقى خردة».. «حليج الأقطان» في المنيا تقع في «فخ الخصخصة».. و9 مصانع خارج نطاق الخدمة «بأمر الحكومة».. بيع «غزل الفيوم» يكشف فضيحة «الب
عملية اغتيال.. القراءة المتأنية لخطواتها تدفع قارئها إلى الجزم بأنها عملية “ممنهجة”، مصانع قطن ومحالج عملاقة احتوت لسنوات آلاف العمال، كانت مورد رزق للقمة عيشهم، تم تدميرها بعد أن تغيرت الأحوال، وأصبحت مصر تعانى من أزمات عطلت زراعة القطن وعذبت العامل.
قصص تدمير محالج القطن ومصانع الغزل وتحويلها إلى خرابات يمكن أن تسرد في مجلدات، فالدمار لم يكن سهلا، والرحلة التي بدأها القطن المصرى كملك متوج في العالم أصبحت مهددة بالانتهاء.
في المنيا كان أثر تراجع زراعة القطن واختفاء صناعة الحلج والغزل كبيرًا، فقلعة إنتاج ضخمة ضمت خلف أسوارها 9 مصانع لإنتاج الزيت، ومعالجة بذرة القطن، وحلج الأقطان، وصناعة العلف من الكسب، وعلب صفيح، الصابون، وتوليد الكهربا والأكسجين، أصبحت في خبر كان، بعد أن أوصدت أبواب مصانع حليج الأقطان بالمنيا، التي كان يعمل فيها أكثر من 4700 عامل وموظف، لكن الفساد ضرب القلعة الصناعية فتحولت إلى “خردة”، وتشرد عمالها منذ سنوات ولم يتبق منهم سوى 100 عامل فقط.
شركة “حليج الأقطان” في المنيا.. يمكن القول إنها واحدة من الكيانات التي تشهد وتكشف –في الوقت ذاته- مساوئ سياسة الخصخصة الذي كان الهدف منها تشريد العمال وبيع “أراضى ومقار الشركات” لإنشاء أبراج سكنية واستفادة عدد قليل من رجال الأعمال بالصفقات.
“فيتو “ أجرت جولة داخل شركة حليج الأقطان لرصد الحالة التي وصلت لها بعد خصخصتها، حيث تقع الشركة –أو ما تبقى منها- بمنطقة الأخصاص المطلة على نهر النيل من الناحية الشرقية، وشريط السكك الحديدية من الناحية الغربية، وتحدها من الناحية الشمالية قرية دماريس، وتحولت جميع مصانع الشركة إلى مساحات مهجورة أصبحت ملجأ مناسبا للكلاب الضالة، كما تم تشويه المدخل الرئيسى للمحلج ووضع سلاسل حديدية على البوابة الرئيسية للشركة.
عندما بدأت الدولة في تطبيق سياسة الخصخصة في تسعينيات القرن الماضي، كان الهم الأكبر للمستثمرين الاستيلاء على أراضى الشركة التي تبلغ مساحتها مليونا و500 ألف متر ويصل ثمن المتر الواحد إلى 40 ألف جنيه في بعض المناطق وفقا لأسعار الوقت الحالى، كما تم تدمير الكابلات الكهربائية للشركة، بهدف سرقتها، إلى جانب تخريب محطات المياه التي تسحب المياه من النيل لتبريد الماكينات، مع إجبار العمال على إحالتهم للمعاش المبكر أو نقلهم لمحافظات بعيدة.
ورغم صدور حكم في 17 ديسمبر 2011 من محكمة القضاء الإدارى وبقرار رئيس الوزراء في 2013، باسترداد الدولة جميع أصول وممتلكات حليج الأقطان بالمنيا، فإنه لم يتم تنفيذ ذلك القرار، وأصدر اللواء صلاح الدين زيادة، محافظ المنيا السابق، بيانا أكد فيه أن محكمة القضاء الإدارى أحالت الدعوى رقم 1326 التي أقامها ضد وزير العدل بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الشهر العقارى والتوثيق، ورؤساء مجالس إدارة الشركات القومية للتشييد والتعمير، والقابضة للقطن والغزل والنسيج، للمطالبة بتنفيذ الحكم الصادر بعودة شركة النيل لحليج الأقطان إلى قطاع الأعمال العام، كشركة تابعة للشركة القابضة للغزل والنسيج، وخضوعها لأحكام قانون قطاع الأعمال العام.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الشركة أغلقت في عام 1997، وبعد تنفيذ سيناريو “الخصخصة” تم بيع هذه المصانع لمجموعة من المستثمرين بـ 245 مليون جنيه، في حين أنها تقع في أفضل مناطق مدينة المنيا الذي يصل سعر المتر الواحد بها إلى أكثر من 20 ألف جنيه للمتر آنذاك.
المصانع لم تكن الأمر الوحيد الذي طالته أذرع أخطبوط “التخريب”، حيث انخفضت مساحة الرقعة الزراعية من القطن في المنيا، بنحو 30 ألف فدان.
الجولة امتدت أيضا إلى محافظة الفيوم، وتحديدا مصنع غزل الفيوم الذي بدأ إنتاجه عام1962، وكان يعمل به 7 آلاف عامل وينتج يوميا ما يزيد على 7 أطنان من الغزول المتميزة، ومع بداية عصر الخصخصة سرحت الدولة العمال وفككت الماكينات وقررت بيعها “خردة”، كما تم بيع شونة المصنع التي كان يخزن فيها القطن والغزل إلى بنكين شهيرين، إلى جانب تأجير العنابر إلى بعض المستثمرين منها من حولها إلى عنابر لتشغيل خط إنتاج ملابس جاهزة، ومنها من استخدمها كمخازن لمنتجاته، والمواد الأولية التي تدخل في إنتاجه، والشركات المستأجرة معظمها شركات لإنتاج الملابس الجاهزة للتصدير فقط ولا يتم بيع منتجاتها في السوق المحلية، وبعد أن كان المصنع يدر ملايين الجنيهات، أصبح دخله عدة آلاف ناتجة عن تأجير عنابر الإنتاج التي تحولت إلى مخازن.
المثير في الأمر هنا أنه عند تصفية المصنع تم بيع الغزل بالأجل ودون ضمانات لتجار القطاع الخاص، وبالطبع لم يسددوا ما عليهم، وجاء تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات ليفضح ذلك، ويؤكد أن الأرصدة لدى العملاء حتى نهاية يونيو 2007 بلغت 91 مليون جنيه، وبلغت الأرصدة المتوقفة 86 مليونا منها 45 مليون جنيه لدى القطاع الخاص، و5 ملايين لدى عملاء بالخارج، و36 مليونا لدى عملاء ثبت وقتها توقفهم عن السداد وعن التعامل مع المصنع منذ عام 2004.
جدير بالذكر أن توقف المصنع عن الإنتاج شرد 6600 عامل منذ عام 2008 تمت إحالتهم إلى المعاش المبكر، وسددت لهم الدولة 10 ملايين جنيه كمكافآت إنهاء خدمة.