وتلك هى المصيبة
عندما وصلت إلى القناعة بأن فعاليات الشارع لم تعد تحقق نتائجها المرجوة، لم يكن ذلك رجما بالغيب، بقدر ما كان رصدا دقيقا لتلك الفعاليات. اكتشفت أن عنفوانها وسخونتها ليس وقت وقوعها، وإنما فى مرحلة الإعداد والدعوة للحشد فقط.
لنضرب مثالا بآخر حدث يوم الأربعاء الماضى نقلت الأنباء شلالا من الدعوات على مواقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" للاحتشاد فى ميادين مصر يوم الجمعة 19 أبريل الجارى، والهدف ما أطلقوا عليه "يوم الخلاص من الإخوان المسلمين فى مصر".
كانت الدعوات على درجة عالية من السخونة والتحريض وكأنها طبول الحرب، إذ أكدت أن ذلك اليوم سيكون مليئا بالشغب والمفاجآت التى ستهز عرش النظام.
خرجت تلك الدعوة لتعلن صراحة أن الشغب هو الحل، وهو الشعار الذى أطلقته مجموعة بلاك بلوك، التى لم تكتف بذلك، بل أكدت فى بيانها أن الفوضى هى البديل الوحيد، ولا فائدة من التظاهرات السلمية التى تنتهى إما باعتقال عدد من النشطاء أو قتل أحدهم.
وكالعادة، مرت فعالية يوم الجمعة المحدد للمفاجآت والشغب والفوضى بأحداث لم تختلف كثيرا عما سبق، ولم تكن بحرارة لهيب مفردات الدعوة وشعاراتها النارية.
على جدول الرصد أيضا، فعالية مماثلة لم يجف بعد مداد الكتابة عنها.. دارت وقائعها مطلع أبريل الجارى، وتحديدا فى الاحتفال بذكرى تأسيس حركة 6 إبريل ذات البصمة الواضحة فى الثورة والحراك السياسى المستمر بالشارع.. سارت الحركة على نفس النهج.
طغى لهيب الدعوة للحشد ليوم الغضب فى6 أبريل، بالإعلان عن فعاليات مبهرة وغير مسبوقة، يتخللها حصار عدد من مؤسسات الدولة الحيوية والوزارات والقصر الرئاسى ومكتب الإرشاد ودار القضاء العالى وميدان التحرير، إضافة إلى فعاليات أخرى سرية، ووصل الأمر فى الدعوة للحشد إلى درجة إعلان أحمد ماهر مؤسس الحركة أنها ستكون (الأكثر قوة فى تارخها).. ثم مر السادس من أبريل، كغيره من أيام الفعاليات دون أثر يذكر.
أخرج من الرصد بنتيجة أظنها واقعية.. الشغب لم يعد يجدى نفعا، فهو لا يحقق أى نتائج، ولا يحمل حلولا.. لذا على النشطاء إعادة صياغة مواقفهم وطرح أنفسهم على الشارع بنهج أكثر هدوءا.. وعلى القوى التى تعتبر نفسها قاطرة الحركة فى الشارع إعادة حساباتها، وضبط حركتها، لضمان مساحات التأثير، وضمان استمرار وجودها ذاته.. وليعلم الجميع أن الفوضى معروف بدايتها، لكن لا أحد يستطيع التنبؤ بنهايتها.. وتلك هى المصيبة.